( الصراحة الأجواء حلوة ) تلك العبارة كانت استهلالا من ابو محمد في اتصال مسائي لتهنئة متأخرة بالعيد السعيد جاء فيه العلم والخبر حول كرنفال مسندم الذي أقيم في ولاية خصب خلال الأيام الماضية وبعيدا عن النقد الذي نسمعه في مثل هذه المناسبات والذي يختلط فيه الغث بالسمين أصبح لزاما علينا أن نردد افتتاحية الداعية مشاري العفاسي في نشيدته المعروفة : شكرا من القلب .. شكرا مع الحب.
خطوة جميلة ما بادر به مكتب محافظ مسندم مع وزارة التراث والسياحة بالتعاون مع هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والجهات الحكومية والخاصة والأهلية في محافظة مسندم فخرج في صورة عمل جميل ولطيف على القلوب وكتجربة أولى فالثناء والتقدير هو سيد الموقف للتنظيم الواضح الذي كان ظاهرا في مختلف أقسام الكرنفال – وهذا درس للبعض – وشخصيا أتوقع مع تهيئة شاطئ بصة وفق المشروع السياحي قيد الإنشاء فيه حاليا سيكون للكرنفال جمالية أحلى والناس (بتربش وترتبش) ومن باب التجويد لنسخة الكرنفال القادمة – كما أحسبه – فلابد من التأمل والتفكر بعمق فيما مضى وتلك عادة جميلة نفتقدها كثيرا فنجد أن (علان) أو الجهة (الفلانية) تنفذ برنامجا ما من أجل التنفيذ دون مراجعة وكأنه بلاء يراد (الفكة) منه وعليه تتكرر ذات الأخطاء والهفوات التي قد تقبل في نسختها الأولى ولكن عموم الجمهور لا يقبلونها بعد تكرار ذات الحدث ومع الإستمرار نصل إلى مرحلة قد يطلق فيها على الحدث (الفلاني) بأنه فاشل وبأننا في إقامة الحدث (الفلاني) فاشلون.
بداية الأمر لابد من وضع رؤية طويلة المدى تقوم على إقامة كرنفال مسندم سنويا وبأن يتمحور موسم الشتاء السياحي في مسندم على ذلك الكرنفال لتظهر ذروته فيه وبأن تتوسع دائرة المستهدفين المراد زيارتهم لذلك الكرنفال وبأن تطرح المزيد من أسئلة العصف الذهني من قبل أصحاب الخبرات والكفاءات في مختلف ولايات المحافظة للخروج بصورة تطويرية مشرفة فما نشاهده من زخم اعلامي يصاحب موسم الخريف في ظفار تستحق مسندم نظيرا له للأسباب المعلومة وغير المعلومة والنتائج ستكون حاضرة بلا شك في تنشيط القطاع الاقتصادي الذي تعد فيه السياحة جانبا يكاد يكون وحيدا وبحاجة ليتكامل مع الجوانب الاقتصادية الأخرى ودائما النظرة الشاملة هي التي تحقق الأثر على المدى البعيد.
توقيت إقامة المهرجان جاء جيدا بعد أفراح عيد الفطر السعيد ولكن وفق (حسبة) بسيطة نستطيع استقطاب أعداد أكبر من باقي ولايات المحافظة ومن باقي المحافظات ومن خارج السلطنة لو كان توقيت الكرنفال في (عز) موسم الشتاء خلال إجازة منتصف العام الدراسي مثلا فالأجواء الباردة تشجع على إقامة أنشطة التخييم الخلوي ومسندم خير مكان لذلك وأيضا من الجميل تنويع دائرة المستهدفين من أنشطة الكرنفال وفعالياته بدل تمحورها حول الأسرة والأطفال – الذي يستحقون ذلك بلا شك – فإرضاء كل الفئات والأذواق عامل جذب مهم فكلما توافد الزوار زادت فرصة الدوران المالي وكما قيل في المثل الشعبي (يا بخت اللي يفيد ويستفيد).
من الأمور التي ستعزز من قيمة الكرنفال عاطفيا لدى أبناء المحافظة أولا وتسويقيا لدى الزوار خلق صورة بصرية للكرنفال تتمحور حول هوية المحافظة والإنسان فيها بما نمتلكه من أرث في العادات والتقاليد والقيم والممارسات الشعبية وذلك لا يتنافى مع تقديم صورة مبتكرة إبداعية – والتي ينادي فيها الشباب دائما وبعضا مما يلبسون القبعة السوداء وفق نظرية القبعات الست – فالحذر من الانطلاق في الحداثة ونسيان الهوية المتجذرة في منطقة (رؤوس الجبال) منذ القدم بل التأكيد عليها وفق الأدوات الحديثة المتاحة والتوسع الأفقي في العرض المبتكر للثقافة المسندمية لتظهر جليا للزوار شاملة حياة الجبل والبحر والزراعة وصيد الاسماك والحرف والصناعات التقليدية وغير ذلك وأيضا من الرائع إتاحة الفرصة لظهور النشاط الثقافي والشعبي من خلال الجلسات الحوارية والأمسيات الشعرية والأصبوحات التراثية وفي ذلك مكاسب سهلة المنال لكل ذو عقل لبيب .
طالما أن الحديث عن السياحة حاضر بقوة في هذا المقال فإنني أستحضر العرض التي قدمته شركة عمران للراغبين في استخدام السلك الانزلاقي – الذي كان باكورة أنشطة مركز مسندم للمغامرات – بأن خصصت رسوما مخفضة للمواطنين العمانيين وذلك عرف ليس بالمبتدع ومطبق في جل دول العالم السياحية وما أريد الوصول إليه هو التخطيط لأنشطة مصاحبة للكرنفال تناسب مختلف شرائح المجتمع مثل الانشطة البحرية والشاطئية في ظل معدلات الدخل المالي المتفاوتة لدى سكان المحافظة فالجميع له الحق في ممارسة الأنشطة السياحية أما مبدأ ( اذا ما معك غيرك الف معهم ) فهذا لن يذهب بالقطاع السياحي بعيدا .
في خطوة استباقية للتوقع الذي يقول بأنه (لو مشت الامور حلاوة) فإن عدد الزوار للكرنفال سيزيد وعليه من الفطنة التفكير في توسيع رقعة تنفيذ الأنشطة السياحية المقامة ضمن كرنفال مسندم بدل حصرها في شاطئ بصة لتشمل مثلا الممشى البحري الجميل في خور قدى بما يمتلكه من إطلالات جميلة ولكونه أصبح مهيئا لإقامة المطاعم و(المقاهي) عليه وأصبح جاهزا لتنفيذ الأنشطة السياحية من خلاله وما المانع أن تتوسع الرقعة لتصل إلى حدود ولاية بخاء الجميلة فالأمر ليس صعبا والأفراد والمؤسسات الأهلية والشبابية لديها القدرة في التنظيم تحت المظلة الرئيسية للكرنفال وأشيد هنا بكل من اجتهد في إبراز الكرنفال إعلاميا من خلال الأفراد الناشطين اعلاميا أو الحسابات الإعلامية المحلية في المحافظة والتي أرجو أن تعطى مساحة أكبر للتواجد من خلال تغطيات إعلامية متنوعة تركز على إحداث التفاعل والتغيير بدلا من مجرد نقل الخبر كما هو والأفكار في ذلك كثيرة.
ابو محمد (مبسوط) وذلك حال الكثير من أبناء المحافظة والدعوات قد ظهرت للإكثار من مثل هذه الكرنفالات والتوقع يقول بأن هناك جهات حكومية أخرى ستتبنى إقامة أنشطة سياحية مشابهة وعليه فإن مكتب محافظ مسندم يتحمل دورا كبيرا في توحيد جميع تلك الجهود لجعل الموسم السياحي الشتوي في مسندم استثنائيا ليشمل ولايات مسندم الأربع وساعتها سيكرر الجميع افتتاحية الداعية مشاري العفاسي في نشيدته المعروفة : شكرا من القلب .. شكرا مع الحب.
محمد بن عبدالله سيفان الشحي
٢٩ أبريل ٢٠٢٣ م