كان عام 2023 عاماً مضطرباً ومأساوياً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد شهد هذا العام اندلاع حروب في السودان وبين الكيان الصهيوني وقطاع غزة، وكوارث طبيعية مدمرة في المغرب وليبيا وسوريا وتركيا، وغير ذلك.
كما أنتج عام 2023 لحظات من الأمل والمآثر الدبلوماسية، وتم إدراج بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمات والخطط التنموية التي تهدف إلى تعزيز الرخاء الاقتصادي في المنطقة؛ وأعادت إيران والمملكة العربية السعودية العلاقات الدبلوماسية.
وكان من قبيل الغرابة أن تكون منطقة صغيرة مثل غزة، المحرومة من قدر كبير من الموارد الطبيعية، ومن الإرادة السياسية، ناهيك عن السيادة، سوف تتحول إلى البقعة الجيوسياسية الأكثر أهمية على وجه الأرض، ولكن الحرب الصهيونية المستمرة على غزة والمقاومة الأسطورية للشعب الفلسطيني غيرت الحسابات، فيما يتصل بما تستطيع دولة محاصرة أن تحققه من مقاومة جماعية، بل إنها في واقع الأمر تغير قواعد اللعبة بالكامل.
وبينما يسعى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بشدة إلى العودة إلى نموذج الوضع الراهن، الذي كان قائماً في الشرق الأوسط قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، فإن القيادة الفلسطينية الناشئة حديثاً حريصة على إدخال حقبة جديدة من العلاقات الدولية، وتحديداً لاعبين جيوسياسيين جدد، قادرين على وفي المقابل، جذب حلفاء جدد، لهم طموحاتهم السياسية ومصالحهم الاقتصادية.
ومع ذلك، كان عام 2023 مليئاً أيضاً بالتحولات الجيوسياسية الكبرى الأخرى التي ستؤثر على العالم أجمع في العام الجديد؛ ولسنوات عديدة قادمة.
الهام 2023، كان عاماً صعباً على الساحة العالمية، حيث تزايدت قوة قوى الفوضى. وتستمر الحروب المستمرة، بينما تندلع حروب جديدة، وازدادت المنافسة الجيوسياسية، إلى درجة أن الاجتماع بين رؤساء الدول المتنافسة أصبح خبراً على الصفحة الأولى على الرغم من أن محادثاتهم لم تسفر عن تقدم ملموس يذكر، وبشكل عام، كانت الأخبار الجيدة قليلة.
ويستمر الركود الديمقراطي العالمي، حيث يتوقع المتفائلون حدوث موجة رابعة من التوسع الديمقراطي العالمي، لكن هذا التوقع فشل في عام 2023، ومن أجل إثبات هذه النقطة، استمرت عدوى الانقلابات في أفريقيا، ففي يوليو/تموز، أطاح جيش النيجر برئيس البلاد المنتخب ديمقراطياً، وهددت الدول المجاورة بالتدخل إذا لم يتم التراجع عن الانقلاب، وواصلت الحكومة الهندية استخدام القانون والترهيب لإسكات المنتقدين ، كما قامت العديد من الديمقراطيات الأخرى بتقييد حرية التعبير، واستمر اتجاه المرشحين الذين يزعمون أنهم لن يخسروا انتخاباتهم إلا في حالة تزوير الأصوات، وكان أداء أحزاب اليمين المتطرف جيدا في مختلف أنحاء أوروبا، مما أحيا ذكريات انهيار الديمقراطيات الأوروبية قبل قرن من الزمان، ووصف دونالد ترامب معارضيه بـ “الحشرات”، وقال إنه إذا عاد إلى البيت الأبيض فلن يكون دكتاتورا “إلا في اليوم الأول”، وأشار إلى أنه سيستخدم الرئاسة لاستهداف أعدائه السياسيين.
وهذا يعني أنه في المجمل، ليس العام جيداً للديمقراطية.
كما كان من المفترض أن يكون عام 2032 هو العام الذي أصبح فيه السودان دولة ديمقراطية، وبدلاً من ذلك حصل الشعب السوداني على حرب أهلية، وفي نهاية عام 2023، التزم المجلس القيادي الرئاسي اليمني والحوثيين بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ورفع القيود الاقتصادية، والانخراط في الاستعدادات لاستئناف المفاوضات السياسية الشاملة بقيادة الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، تم تحقيق العديد من تطورات المصالحة في المنطقة في عام 2023، فقد استعادت سوريا عضويتها في جامعة الدول العربية بعد تعليق دام أكثر من عقد من الزمن، وتبادلت تركيا ومصر الزيارات الوزارية لأول مرة منذ سنوات، واستأنفت قطر العلاقات الدبلوماسية مع البحرين والإمارات العربية المتحدة.
كما لعبت دول الشرق الأوسط دوراً متزايد الأهمية في المنظمات الدولية والإقليمية المتعددة الأطراف. وفي يوليو/تموز، انضمت إيران رسمياً إلى منظمة شنغهاي للتعاون. وفي أغسطس/آب، تمت دعوة مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران للانضمام إلى كتلة التعاون في مجموعة البريكس.
ومع ذلك، فإن الكوارث المتعددة، بما في ذلك الزلازل في تركيا والمغرب، والأعاصير في ليبيا، والصراعات في غزة والسودان واليمن، ألقت جميعها بظلالها على المنطقة، وبالإضافة إلى الكوارث الطبيعية، حطمت الصراعات المسلحة الآمال في تحقيق السلام. كما دخلت العديد من الاقتصادات في المنطقة في حالة ركود خلال عام 2023، وعانت تركيا ولبنان وسوريا وإيران من انخفاض حاد في قيمة العملة أو ارتفاع التضخم أو ارتفاع معدلات البطالة، وسجلت الليرة اللبنانية والجنيه المصري والليرة التركية مستويات منخفضة جديدة بشكل متكرر مقابل الدولار، والأمر الأسوأ من ذلك هو أن الصراع الدائر في غزة أثر بشكل كبير على اقتصادات الجانبين والدول المجاورة، مثل مصر والأردن ولبنان.
لكن رغم مرارة الأحداث والألم، هناك بعض الضوء والأمل، وأكبر محطة للطاقة الكهروضوئية في العالم، الظفرة، تم الانتهاء منها مؤخراً في أبو ظبي، وستعمل المحطة على توليد الكهرباء لتشغيل 200 ألف منزل سنوياً، وسيخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 2.4 مليون طن متري، مما يدل مرة أخرى على تصميم الدولة الخليجية الغنية بالنفط والغاز على تنويع موارد الطاقة والتنمية الخضراء، إلى جانب دولة الإمارات، تطورت رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي تهدف إلى تنويع نموها، تدريجياً من مجرد مخطط إلى واقع، ووفقا لتقرير صدر مؤخرا عن صندوق النقد الدولي، فإن المملكة العربية السعودية تمر بفترة من النمو الاقتصادي القوي مع وضع مالي سليم.
ولكن يجب شرح نقطة مهمة وهي أنني لا أقوم بسرد للأوضاع التي حصلت لأنها من الصعب أن تُمحى من الذاكرة، وإن أردت الاستكمال لن انتهى حتى عشرة أعوام، ولا أكون مبالغاً إن قلت حتى عقود، منطقتنا يُراد تدميرها وللأسف البيادق نحن، بلادنا منهكة لن أقول اقتصادياً وسياسياً (هنا موت سريري) لكن منهكة اجتماعياً، نفتقد المحبة، والأمان والدفء نفتقد الإيمان والكلمة الطيبة والحاكم العادل، نفتقد القرار السيادي، فكيف لا تكون بقعة الشرق الأوسط ملتهبة، أشعلوها وهم أكملوا حياتهم ويتابعون حلقات المسلسل الطويل.
الشرق الأوسط كان ولا يزال وسيبقى ساحة صراع ملتهبة، وربما من خلال القراءة ما بين السطور وتفكيري بالأسباب الكامنة خلف زراعة الكيان الصهيوني في أرضنا، للعمل كما جهاز التحكم، يديرون اللعبة من خلال “تل أبيب” والأقمار الاصطناعية، ليتحول الموت في بلادنا إلى أرقام ترافق النعوش إلى مثواها الأخير، عن ماذا أتحدث وعن ماذا؟ عن الجوع والبرد والقتل والدمار والانهيار! مع شديد الأسف، إن العام المقبل محبط بالنسبة لي، لقد اعتدت أن أزور لبنان وسوريا وهما يضجان بالفرح، والعراق تصدح مآذنه بعذب الآذان، وفلسطين لكم تمنيت أن أزروها وأصلي في المسجد الأقصى الشريف، هي أمنيات من الصعب تحققها، لقد زُرع الكيان الغاصب لوأد احلامنا وأفراحنا وقتل الطموح فينا.
العام 2023، هو عام الخيبات كما 2022 و2021 و2020 وما سبق ذلك وما سيلي، لن يتغير الكثير سيبقى العدو يحيك لنا المكائد ونبقى نحن في ركب المتأخرين ونحن يوماً كنا أعظم أمة في العالم، فماذا ننتظر من العام 2024؟ سأترك بصيص أملٍ واحد عسى ولعل أن تتحقق الأمنيات، لكن إن حاولنا ربما نكسر هذا الواقع، حقاً نستطيع ذلك، عندما نحب بعضنا ولا نطمع بما لدى الآخر ولا نتحالف أو نطبع مع الأعداء حينها نجد الأمل، وليقيني باستحالة ذلك، أدعو الله أن يكون العام المقبل عام السلام، فما أحوجنا إلى هذا السلام المفقود.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.