في يوم الأحد بتاريخ: ٢٠ أبريل ٢٠٢٥م تم التنسيق لزيارة قرية شيدة التابعة لولاية صحم بمحافظة شمال الباطنة، انطلقنا من الخابورة إلى صحم، ثم توجهنا إلى ( شيدة ) والتي وصلناها في حدود الساعة الخامسة مساءً تقريبًا .. شاهدنا روعة المكان .. شاهدنا حارة معلقة في خاصرة الجبل وتحت سفوح ثلاثة جبال شاهقة تعانق السماء بعزة وشموخ، وتجولنا في ثلاث حارات وهي: “الحيل” التي غدت مثالًا للحارات الحديثة والمتجددة بمبانيها الحديثة، والحارة “القديمة ” المنحوتة على ذلك الجبل الشاهق، وحارة “حيط بن سعد” وهي الحارة الأخيرة في القرية، بالإضافة إلى حارة ظاهر القوم التي أنشأت حديثًا وكأنها قرية استعان بها الأهالي لضيق المساحات في الحارات السابقة ولانبساط أرضها وانفتاحها. ورغم جمال القرية ووداعتها إلا أن ( الحارة القديمة ) هي الأكثر جمالًا والأكثر قدرة على لفت الأنظار وإثارة الأسئلة حول التاريخ وعراقة الإنسان العماني وابتكاراته وعبقريته في البناء والهندسة والتصميم، حيث استطاع نحت بيوته في وسط الجبال وفوق سفوحها المرتفعة، أخي السائح عندما تفكر في زيارة بقرية “شيدة ” عليك أن تسلك طريقًا حديثًا من وسط ولاية صحم باتجاه منظر الجبال الشاهقة وتدرجاتها اللونية، وبعد أقل من ساعة ستكون مع القرية وجهًا لوجه، وستعرف أنك عدت بالتاريخ إلى سنوات ماضية عندما كان الإنسان يعيش في بيوت بنيت بالطين وسقفت بجذوع النخيل، وخططت بطريقة استثنائية برع فيها الإنسان العماني باحترافية عالية، ستوقف سيارتك على الضفة اليمنى من وادي “شيدة”بينما ستكون القرية عند الضفة اليسرى، تحيط النخيل بالقرية وكأنها غابة تحاكي جمال الطبيعة الخلابة .. ونحن نتجول شاهدنا هناك صباحان: صباح خلف مسجد القرية وصباح عند مدخلها من الجهة العلوية و ( الصباح) هو عبارة عن ساحة يتجمع فيها الناس في مناسبات الأفراح والأتراح، وعندما يتنادون ويتعاونون في السراء والضراء. وتحيط بالقرية عدة أبراج للدفاع والحماية وهي أبراج مبنية بهندسة متقنة، كما يعلو القرية فوق قمة الجبل برج للمراقبة من المسافات البعيدة ومكان مناسب لرمي الأعداء بالأسلحة المتطورة بمنظور تلك المرحلة القديمة. ويوجد في الحارة عدة مدارس وأماكن لتعلم القرآن وعلوم الدين واللغة، ومجلس عام للرجال ومجلس آخر للنساء، وفي داخل روازن بيوت الحارة القديمة يجد الزائر بقايا المخطوطات القديمة للمصاحف وكتب الفقه والتاريخ، وروى لنا الأخ أحمد الشيدي الذي كان مرشدًا لنا في هذه الزيارة أن مسجد الحارة كان مسجدًا نادرًا، حيث بني على شكل صفوف مقوسة السقف، كل صف يتسع لصف واحد من المصلين وينفصل كل صف عن الصف الذي أمامه وكأنه مستقل لولا وجود معبر واحد للتعمق لداخل المسجد. وكان المسجد موجودًا حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي إلا أنه هدم واستبدل بمسجد حديث وذهب معلم ديني وتراثي نادر جدًا كان يمكن أن يكون أحد أبرز معالم هذه الحارة الجميلة. ويوجد أيضًا مسجد صغير مبني على النمط العمراني نفسه في القرية لا زال موجودًا يعرف باسم ( مسجد الحجرة ) ويتكون من ثلاثة صفوف فقط. ولأن القرية منحوتة في الجبل فإنها تظهر على شكل مدرجات ترتفع بارتفاع الجبل. ورغم اندثار البيوت وتساقط الكثير منها إلا أن أبوابها ما زالت تقاوم الاندثار، وما زالت مغلقة وكأنها تدعونا إلى الزيارة إليها مرات ومرات واستقراء تاريخها العريق.
كانت رحلة جميلة برفقة الأخوة: أحمد الشيدي وسعيد الشيدي وسعيد الربيعي وسليمان الربيعي وعلي الفزاري وعبدالله الزعابي، ما أجمل عُمان وما أروع ولاياتها ومناطقها السياحية الساحرة التي تروي لنا قصص العراقة والتاريخ الذي شهدته البلاد منذ عقود طويلة، وتمدنا بعبق ورائحة الماضي التليد.
خليفة البلوشي




