مَنْ يرى اليومَ القصفَ الأمريكي الأرعنَ على اليمن الحبيب يدرك كيف إن ملة الكفر واحدة (بصهاينتها، ومنافقيها، ومرتديها)، فأمريكا عندما عجزت عسكريا عن الحسم والتأثير على اليمن واليمنيين، لأسبابٍ عدة، ربما يكون من أكبرها هو سلاحُ “مدري” الأخير (الشح الاستخباري)، يدرك أنها تنهجُ نفسَ النهجِ القذرِ الجبانِ الذي ينتهجه حثالةُ البشرية في فلسطين، وهو قصفُ البنية المدنية، وقتلُ الأطفال والنساء والشيوخ بدم بارد وقلب أسود ووجه بئيس.
إن صمتَ مؤسساتنا الرسميةِ الشريفة (بالنسبة لدول الأنظمة المرتدة والمارقة والمنافقة الخسيسة) من إصدار بيانٍ ينساق مع واجباتٍ عدة، دينيةٍ وعقديةٍ وإنسانيةٍ وجغرافيةٍ وعروبيةٍ وحتى دوليةٍ حسبَ القانون الدولي ومواثيقِ الأمم المتحدة ينذر بخزيٍ وعارٍ يضاف إلى الصمت والخذلان العربي والإسلامي والعالمي القائم في غزة الجريحة.
إن أقلَّ ما يجبُ اليومَ فعلُه هو تسجيلُ موقفٍ شريف بإصدار بيان استنكارٍ رسميٍّ واجبٍ ضد هذه الغطرسة الصهيونية الأمريكية المسلطة على الدم العربي والمسلم، والاستهانة والاستحقار الذي تنظر به الولاياتُ المتحدة الأمريكية ونظامها الصهيوني الرسمي إلى العرب والمسلمين، وتترجمها على أرض الواقع.
ليس للعرب من قيمةٍ لدى النظام الرسمي الأمريكي منذ أمد، فهم لا خيار لهم، فإما أن يكونوا مطايا ورَكُوبا بُهْمًا، منزوعي الإرادة، تقول لهم أمريكا “كن فيكون”، وبقرةً حلوبا (لمن كان ذا غنى منهم)، تدرُّ على أمريكا ترليون إن طلبت مليون، فيسلموا من فتكهم ودمارهم بشرط ذلتهم وخزيهم وعارهم وفقر شعوبهم، وإما أن يكونوا على خلاف ذلك، فينالهم القتلُ والدمار والحصار والإفقار والقلاقل تنهش دولهم، وأذرعُ أمريكا في شكل الجماعات المتطرفة كداعش وغيرها تضرب أركانهم، وكلاهما مرُّ، ولكن الأول بطعم الذلة والخزي، والأخير بطعم العزة والكرامة في اتساقٍ تامٍّ وسنةَ الله في الأرض الماضية (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).… وطعم العزة والإباء أصيلٌ في الإنسان عموما والعربي خصوصا، ويتقاطع بصورة مكينة مع قول شاعرهم الجاهلي:
لا تسقني كأس الحياة بذلةٍ… بل فاسقني بالعزِّ كأس الحنظلِ
كأسُ الحياة بذلةٍ كجهنمٍ….. وجهنمٌ بالعز أطيبُ منزلِ
شخصيا -ومن يرى رأيي- نطالب بالتناغم مع واجب المدافعة الكوني، ومع نظام القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، ونختار العزة والكرامة لنا ولأوطاننا وللعالم على الذلة والمهانة، ومن هذا المنطلق فإنا نرى اليوم الواجبَ هو التصعيدَ في وجه هذا الإجرام الأمريكي الصهيوني بحق كل ما هو عربي ومسلم بل وحرٍّ في العالم، بالاحتجاج وإصدار المواقف الواضحة وطرد سفراء الولايات المتحدة الأمريكية، ومقاطعتها اقتصاديا وتقنيا وثقافيا وغير ذلك، وحصارها دوليا، وسحب مقار الأمم المتحدة منها، لا سيما تلك التي خرجت عنها، وتكوين تحالف عسكري واقتصادي يعمل على كبح جنونها، وقتل شيطانها، وتدمير طاغوتها، وكنس طغيانها وعبثها.
ونقول للأخوة في وزارة خارجيتنا خاصة، ووزارات خارجيات الدول العربية والإسلامية عامة، ولحكوماتنا، فَلْتكُونوا على قدر التصعيد ومستوى التحديات التي وضعتكم في مواجهتها الولاياتُ المتحدة الأمريكية ونظامها الصهيوني المارق على القوانين والشرعية الدولية، فإن مقومات الانتصار على الطاغوت الأمريكي اليوم أكبرُ مما مر، وقد فضح الله الصهيونيةَ ونظامها القبيح على رأس الخلائق، والانتفاضة العالمية ضده قد بدأت بالوعي به والتنبه إليه من داخل شوارع أمريكا وجامعاتها ومؤسساتها الحرة، فإن خزي الدنيا (وهو قائم) ليس بشيء مع لعن التاريخ، وعذاب الله في الآخرة، ومن أشكال التصعيد الموجب أن يُخَلَّى بين الناس وبين التظاهر والتجمهر والجهر بما في مكنون أنفسهم، وقد عجزت الجهات الرسمية عن مواكبة التصعيد وعكس مشاعر القاعدة الشعبية وتطلعاتهم، وحبست بين الدبلوماسية الرجعية والواجب الأخلاقي والديني والعقدي والقانوني، حتى تستعينَ هذه المؤسساتُ الرسميةُ (الحكومات) على ضعفها في مواجهة الغطرسة الأمريكية بذلكم الحراك الشعبي وإعصاره الجارف، ويرى الصهاينةُ الأمريكانُ وغيرُهم مغبةَ فعلهم القبيح وظلمهم، وأن الأمرَ ليس سائغا كما قد يظن، وللحكومات ضمان ذلك وتنظيمه بما يحقق تنفيس الناس عن كربهم، ويعزز من موقفها الرسمي ويقويه، ويوصل الرسالة المرادة للطاغوت الأمريكي ومن يصطف صفه من الشياطين.
عبد الحميد بن حميد بن عبد الله الجامعي
الثلاثاء
٢٣ شوال ١٤٤٦ هـ
٢٢ أبريل ٢٠٢٥ م