- يبقى السفر ثقافة وتجارب ومعرفة وتطبيق ، قبل أن يكون متعة وسياحة وترفيه ونزوة عابرة، وفي كل مرة نسافر فيها نكتشف تجارب جديدة، ونتعلم أشياء متعددة، وكانت حادثة أخذ الجواز الملغي درساً قاسياً وملهماً لي ولغيري لأخذ الحيطة والحذر، والتأكد من وثيقة السفر وأن تكون سارية المفعول لمدة أقلها ستة أشهر، ووجوب أخذ احتياطات لازمة كهاتف بديل وبطاقة بنكية أخرى، وملاءة مالية تكفي حتى العودة، وبطارية شحن إضافية.. وغير ذلك..
*ويعتبر سفر الاستجمام فرصة ثمينة لعشاق الكتابة، إذ يجدون فيه ضالتهم المنشودة، والوقت الكافي للكتابة، وتجود قرائحهم بأروع مكوناتها، في تلك الأجواء المعتدلة، والمناظر الخضراء الجميلة، البعيدة عن المشاغل الحياتية، فلا مطالب أسرية، ولا مشاغل مادية، فيخصب الخيال، وتنهمر الكلمات كغيث ماطر، وينضح الفكر بأروع الأفكار، فيخرج النص خصباً نقياً يانعاً..
- فضلاً عن أن السفر بحد ذاته يعتبر مكافأة سخية يقدمها الإنسان لنفسه، خاصة إذا أتى بعد مرحلة مضنية من الكفاح وسنوات العمل المرهقة، وتعتبر مرحلة التقاعد من أفضل المراحل للسفر والسياحة حال توفر الصحة والمال ..
- كانت يوم السبت هي اليوم السابع قبل الأخير من عمر رحلتنا، وبدأنا برنامجنا بعد أداء صلاة الفجر التي نؤديها والحمد لله في جماعة، كما هو حال بقية الصلوات ، ثم ممارسة رياضة المشي في طريق يأخذك علواً لمسافة خمسة كيلو مترات، يتخلله بعض المرتفعات الجبلية، الأمر الذي يتطلب بذل جهداً مضاعفاً في الطلوع والنزول..
*ما يجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو ذلك الكلب الوفي الذي كان يرافقنا طوال خط سيرنا، خطوة بخطوة، ومن باب سكنانا إلى الباب ذهاباً وعودة، وكنا نحاول أن نطرده عنا لشكله الموحش، وكم مرة حاولت أن أرميه بحجر كبير ولكنني أتراجع في آخر لحظة ..
- عندها أكتشفنا أنه يقوم بمهمة حمايتنا من الكلاب المتوحشة التي تداهمنا في الطريق بكثرة، فيُعلمها بلغة الكلاب التي يتعارفون عليها فيما بينهم أننا مسالمون وضيوف على الدار، وتحت حراسته، فترتد عنا ولا تؤذينا رغم شراستها ونبيحها المزعج المخيف..
- قبل الظهيرة ذهبنا لمدينة جالوس للتسوق في أسواقها التي تعج بمختلف السلع، وهناك صلينا الظهر والعصر جمعاً، ولأول مرة نصلي في جامع كبير منذ وصولنا..
- كانت بطاقة السحب المحلية التي تصرفها أماكن الصرافة للسواح في نفس اللحظة، وبالمبالغ التي تريدها، كفيلة بتقديم خدمة مصرفية آمنة تغنيك عن حمل الأوراق النقدية من عملة التومان التي يصعب حملها وعدها لتضخم العملة في هذه الدولة ذات الأسرار الغامضة والهدوء الرزينة في سياساتها، وبسبب الحظر والعقوبات المضروبة عليها منذ عشرات السنين..
- الملاحظ في معظم الأسواق الإيرانية أن النساء في إيران هن أكثر نفيراً وحضوراً عن الرجال، أكن عاملات في المتاجر والمصانع، أو متسوقات في الأسواق..
- في أحد مطاعم جالوس توقفنا لتناول وجبة الغداء التي جاءت كمكرمة من قائد الرحلة، وبمباركة من أميرها لتغيير الروتين اليومي وإراحة القائمين على الطبخ ومعهم مقشري البصل والخضار، وكانت وجبة رائعة استمتعنا فيها بمذاق الكباب الإيراني اللذيذ ..
- لفت انتباهنا تلك اليافطة المرفوعة على أحد الطرق في جالوس وهي تجسد معاناة أهل غزة، وما يتعرضوا له من إبادة جماعية وحشية مروعة من الصهاينة الأشرار والمتأمرون معهم..
- بهذا نسدل الستار على رحلتنا التي امتدت لسبعة أيام، حققت أهدافها المرجوة، بدون أن تكون ثقيلة في كلفتها المادية، ولا وجه للمقارنة بينها وبين وجهات السفر الأخرى التي ترهقك بكلفتها الباهضة، ولقد فاجئنا قائد الرحلة بمرجوعات مالية مجزية عقب وصولنا أرض الوطن ..
- فوداعاً الإمبراطورية الإسلامية الإيرانية، ووداعاً كلاردشت وجالوس وسائر الأرياف التي قضينا فيها أمتع الأوقات، وشكراً لرفقاء الرحلة على توادهم وتراحمهم وتعاونهم وإلفتهم وانسجامهم، وعسى الله أن يجمعنا في رحلات أخرى بمشيئته وتوفيقه ..
مسهريات يكتبها
ناصر بن مسهر العلوي
الأحد ٢٧ إبريل ٢٠٢٥
ولاية بهلا