الخميس, يوليو 10, 2025
  • Login
عاشق عُمان
  • أخبار
    • الطقس
    • Oman News
  • مقالات
  • وظائف وتدريب
  • ثقافة وأدب
    • شعر
    • خواطر
    • قصص وروايات
    • مجلس الخليلي للشعر
  • تلفزيون
    • بث أرضي للقناة الرياضية
  • لا للشائعات
  • المنتديات
No Result
View All Result
عاشق عُمان
No Result
View All Result




Home مقالات

مونتسكيو وفصل السلطات – رائد التنوير القانوني

3 يوليو، 2025
in مقالات
مونتسكيو وفصل السلطات – رائد التنوير القانوني

في عالم تتداخل فيه السلطات وتتصارع المصالح، يبرز القانون كحائط الصد الأخير ضد الاستبداد، وكضامنٍ للحريات والحقوق. لكن القانون وحده لا يكفي؛ فالأهم هو كيفية بنائه، وهنا يأتي دور الفكر القانوني الذي غيَّر مسار التاريخ. ومن بين العمالقة الذين أعادوا تشكيل فهمنا للعدالة، يقف مونتسكيو شامخاً، ليس فقط كمفكرٍ أو فيلسوف، بل كمهندسٍ للنظام الدستوري الحديث.

اخترت التركيز على مونتسكيو كمحامٍ وقانوني لأن نظريته في “فصل السلطات” لم تكن مجرد تنظير أكاديمي، بل تحولت إلى أداة عملية يحمي بها المحامون والقضاة حقوق الأفراد، ففي قاعات المحاكم، نرى يومياً كيف أن استقلال القضاء – وهو أحد أركان نظريته – ينقذ أرواحاً من الظلم، وفي صياغة الدساتير، نلمس كيف أن الفصل بين التشريع والتنفيذ يُجنّب الأمم ويلات الحكم المطلق.

وليس هذا فحسب، بل لأن مونتسكيو فهم القانون ليس كمجرد نصوص، بل كـكائن حي يتفاعل مع طبيعة الشعوب وأخلاقها ومناخها – كما شرح في “روح القوانين”. هذا المنظور الواقعي هو ما يجعل أفكاره صالحةً حتى اليوم، حيث نواجه تحدياتٍ مثل تدخل السلطات التنفيذية في القضاء، أو هيمنة البرلمانات الحزبية.

إن اختياري لهذا الموضوع ينبع أيضاً من أزمة عالمية نعيشها: ففي عصر تتراجع فيه الديمقراطيات وتتوسع السلطات الشمولية، يصبح فهم نظرية فصل السلطات ليس ترفاً فكرياً، بل سلاحاً قانونياً في يد كل محامٍ يدافع عن العدالة، وكل مواطنٍ يطالب بحقوقه. مونتسكيو علمنا أن الحرية لا تُمنح، بل تُصمّم عبر موازين دقيقة، وهذا الدرس هو ما أريد أن يُستعاد اليوم، قبل فوات الأوان.

بالتالي، إن القانون ليس مجرد نصوص جامدة، بل هو الضامن الأساسي للحريات وحقوق الأفراد، وأداة تحقيق العدالة والاستقرار في المجتمعات، وكما ذكرت، من بين العقول التي غيرت مسار الفكر القانوني عالميًا، يأتي مونتسكيو، الذي وضع نظرية “فصل السلطات”، التي أصبحت حجر الزاوية في الأنظمة الديمقراطية، ولكن لماذا مونتسكيو؟ لأنه لم يكتفِ بتحليل القوانين، بل كشف عن العلاقة بين التشريع والطبيعة البشرية، مؤكدًا أن النظام السياسي العادل يجب أن يُبنى على توازن السلطات لمنع الاستبداد.

من بوردو إلى باريس

وُلِد شارل لوي دي سيكوندا، المعروف بمونتسكيو، في نهاية القرن السابع عشر في قصر لابريد الواقع قرب مدينة بوردو جنوب غرب فرنسا، وسط بيئة أرستقراطية شكلت ملامح شخصيته الأولى ومسار حياته الفكري والسياسي. عائلته كانت تنتمي إلى طبقة النبلاء، مما وفر له امتيازات تعليمية وثقافية قلما نالها أبناء العامة في ذلك الوقت. وقد لعب هذا الانتماء الأرستقراطي دورًا مهمًا في صقل أفكاره وتطلعاته المستقبلية، حيث جعلته أقرب إلى عالم السياسة والسلطة، لكن بروح نقدية غير تقليدية ساهمت لاحقًا في تشكيل فلسفته.

كما أن نشأته بين أروقة القصور والكتب غرست فيه حب المعرفة والبحث، فانكب على دراسة القانون في جامعة بوردو، وبرز بسرعة من خلال ذكائه النقدي وميله إلى طرح الأسئلة التي تتجاوز المألوف. لم يكتفِ بالتعلم النظري، بل انخرط في الحياة العامة، مما أتاح له فرصة الاحتكاك المباشر بالقضايا السياسية والاجتماعية. هذا التفاعل بين النظرية والممارسة جعله أكثر نضجًا وفهمًا للتعقيدات التي تحكم المجتمع والمؤسسات.

انتقل بعد ذلك إلى باريس، قلب الفكر والثقافة الفرنسية في ذلك العصر، حيث تعمق في دراسة العلوم الإنسانية والفلسفة، وانفتح على الحوارات الفكرية التي كانت تملأ الصالونات الباريسية. في باريس، لم يكن مجرد طالب معرفة، بل أصبح مشاركًا نشطًا في الجدل الدائر حول السلطة، الحرية، والعدالة، وهذه الأفكار كانت بمثابة الأساس الذي انطلقت منه أعماله الفكرية لاحقًا، وعلى رأسها كتابه “روح القوانين”.

تجربته التعليمية لم تكن محصورة في القاعات الدراسية، بل كانت ممتدة إلى الحياة نفسها، حيث مزج بين المعرفة الأكاديمية والتجربة الحياتية، فكون بذلك رؤية عميقة للعالم من حوله، رؤية لم تكتف بوصف الواقع، بل سعت إلى تغييره عبر الفكر والنقد والتحليل. ومن بوردو إلى باريس، كانت رحلة مونتسكيو أشبه برحلة داخل الذات نحو فهم أعمق للإنسان والمجتمع، وقد تركت بصمتها في كل ما كتبه لاحقًا.

كما انخرط مونتسكيو في دراسة القانون في جامعة بوردو، وقد كانت هذه المرحلة نقطة تحول حاسمة في مسيرته الفكرية، إذ لم يتعامل مع القانون كمنظومة جامدة من القواعد والنصوص، بل كباب لفهم طبيعة السلطة والعلاقات الاجتماعية. امتاز أثناء دراسته بقدرة تحليلية عالية وبفضول معرفي دفعه إلى تجاوز المقررات الأكاديمية والانخراط في نقاشات فكرية معمقة. وما إن أنهى دراسته، حتى تولى منصبًا مهمًا كمستشار في البرلمان المحلي لبوردو، وهو ما أتاح له الاحتكاك العملي بالتشريعات والسلطة التنفيذية، فمزج بذلك بين النظرية القانونية والتجربة الواقعية في الحكم وتسيير الأمور العامة.

كانت تجربته في البرلمان تجربة غنية، إذ أطلعته على تعقيدات السلطة وعلاقة القانون بالمجتمع، وبدأت تراوده أسئلة حول العدالة، الشرعية، ومصدر السلطة. هذا المسار قاده إلى الاهتمام بالفلسفة، فكرّس جزءًا من وقته للاطلاع على الموروث الفلسفي اليوناني والروماني، ووجد في أعمال أفلاطون وأرسطو وغيرهما من فلاسفة العصور القديمة رؤى عميقة حول تنظيم المجتمعات ومفهوم العدالة. لكنه لم يكتف بالتاريخ، بل تابع تطور الفكر السياسي إلى عصره، وتأثر بفلاسفة العقد الاجتماعي أمثال هوغو جروتيوس، جون لوك، وتوماس هوبز، حيث وجد لديهم أطروحات تتناول نشأة الدولة والسلطة من منظور تعاقدي بين الحاكم والمحكوم.

وقد تفاعل مونتسكيو مع هذه الأفكار لم يكن مجرد اقتباس، بل عملية نقدية إبداعية أدت إلى بلورة رؤيته الخاصة حول فصل السلطات وتوازن القوى في الدولة، وهي أفكار ستتجلى لاحقًا في كتابه “روح القوانين”. لقد كان القانون بالنسبة له أكثر من مجرد مهنة أو تخصص أكاديمي، بل نافذة لفهم الإنسان والمجتمع، وهو ما منحه مكانة مرموقة بين أعلام الفكر السياسي الحديث.

كما شكّلت أعمال مونتسكيو الفكرية نقطة تحوّل عميقة في الفلسفة السياسية الحديثة، وقد بدأت رحلته الأدبية بقوة عندما نشر “الرسائل الفارسية” عام 1721، وهو عمل مميز ومبتكر استخدم فيه حيلة أدبية جريئة، حيث عرض المجتمع الفرنسي من خلال أعين زائرين فارسيين غريبين على الثقافة الأوروبية. كانت هذه الرسائل تفيض بالسخرية الذكية والانتقاد اللاذع لأخلاقيات الطبقة الحاكمة، التقاليد الدينية، والبنى الاجتماعية، مما كشف عن عقل حاد يملك قدرة خارقة على قراءة الواقع وتفكيك تناقضاته. ولم يكن هذا العمل مجرد انتقاد عابر، بل مقدمة فلسفية لنهجه في تحليل العلاقات بين السلطة والمجتمع.

لكن ذروة نضجه الفكري تجسدت لاحقًا في عمله العظيم “روح القوانين”، الذي نُشر عام 1748 بعد سنوات من الدراسة والمراقبة الدقيقة لنماذج الحكم في مختلف الحضارات. هذا الكتاب لم يكن تنظيرًا مجردًا، بل كان تشريحًا ممنهجًا لأنظمة الحكم المختلفة: الجمهوري والملكي والاستبدادي، وقدّم من خلاله نظرية سياسية جذرية تقوم على ضرورة فصل السلطات لتجنب الاستبداد وضمان الحرية. رأى أن تركيز السلطات الثلاث – التشريعية التي تضع القوانين، والتنفيذية التي تسهر على تنفيذها، والقضائية التي تفصل في المنازعات – في يد جهة واحدة يؤدي حتمًا إلى الطغيان. أما توزيعها وتوازنها، فكان بنظره ضمانًا لصيانة حقوق المواطنين ومنع تغوّل السلطة على الفرد والمجتمع.

وأهمية نظرية فصل السلطات لم تقتصر على التأمل الفلسفي، بل ترجمت نفسها عمليًا في صياغة دساتير الدول الحديثة، إذ أصبحت حجر الأساس في دستور الولايات المتحدة عام 1787، ومنها انتشرت عالميًا لتُلهم منظومات قانونية كبرى مثل فرنسا ومصر وغيرها من الدول التي سعت إلى إرساء استقلالية القضاء ومقاومة التسلط التنفيذي. فكرة مونتسكيو تجاوزت عصره، وأصبحت معيارًا عالميًا في تقييم نضج الدول ومؤسساتها.

ومع ذلك، لم تكن نظريته بمنأى عن النقد، فقد رأى بعض المفكرين، وعلى رأسهم جان جاك روسو، أن الفصل المطلق بين السلطات غير واقعي، وأن في الحياة السياسية تداخلاً طبيعيًا لا يمكن تجاهله. النظام البرلماني البريطاني، على سبيل المثال، يُظهر كيف يمكن أن تتداخل السلطتان التشريعية والتنفيذية بشكل جزئي دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى الاستبداد. هذه الانتقادات لم تُضعف من قيمة نظرية مونتسكيو، بل حفزت تطويرها وتكييفها مع أنماط الحكم المختلفة، لتظل حية وفعالة في تفسير وتحسين نظم الحكم إلى يومنا هذا.

أما نظرية فصل السلطات التي طرحها مونتسكيو في القرن الثامن عشر أحدثت هزة فكرية حقيقية في النظم السياسية، لكنها لم تبق ثابتة على شكلها الأول، بل خضعت لتحديثات وتعديلات مهمة على مدار القرون التالية لتتناسب مع التطورات الاجتماعية والدستورية وتعقيدات الحياة السياسية المعاصرة. جوهر النظرية ظل قائمًا: ضرورة توزيع السلطات بين الجهات الثلاث لمنع الاستبداد وضمان الحريات، لكن الممارسة أثبتت أن الفصل المطلق بين السلطات قد لا يكون عمليًا في كثير من الأنظمة، خاصة تلك التي تعتمد على العمل البرلماني والتعاون المؤسسي.

وبمرور الزمن، بدأ المفكرون والسياسيون في إعادة النظر بتطبيقات النظرية، فظهرت نماذج أكثر مرونة تسمح بوجود نوع من التداخل المنضبط بين السلطات، مثل مشاركة الحكومة (التنفيذية) في صياغة التشريعات أو تدخل البرلمان في الرقابة على الأجهزة التنفيذية. لم يكن الهدف من هذا التداخل تقويض مبدأ الفصل، بل تعزيزه من خلال خلق توازن ديناميكي يسمح للسلطات بأن تعمل بشكل متكامل لا متنافر. تم تبني آليات مؤسسية لضمان الرقابة المتبادلة، بحيث تستطيع كل سلطة أن تراقب وتحد من تغوّل الأخرى، دون أن تُعيق سير العمل أو تُحدث شللاً في صنع القرار.

هذا التحديث للنظرية كان ضروريًا في ظل توسع وظائف الدولة وتعقيد السياسات العامة، إذ لم تعد السلطات تعمل في جزر معزولة، بل بات عليها أن تتعاون في صياغة السياسات والاستجابة للتحديات. ومع ذلك، بقيت الرقابة المتبادلة شرطًا أساسيًا للحفاظ على الديمقراطية، لأن غيابها يعني فتح الباب أمام التسلط أو الفساد.

النظرية لم تفقد بريقها، بل تطورت لتصبح أكثر قابلية للتطبيق في أنظمة سياسية متنوعة، من الديمقراطيات الرئاسية إلى الأنظمة البرلمانية وحتى بعض الأنظمة المختلطة. وهكذا تحول فكر مونتسكيو من إطار جامد إلى فلسفة مرنة قادرة على مواكبة الزمن، دون أن تتنازل عن جوهرها الأخلاقي والسياسي المتمثل في حماية الفرد من تعسف السلطة وضمان استقلالية المؤسسات.

بالتالي، شكل إرث مونتسكيو حجر الزاوية في تشييد الأنظمة الدستورية الحديثة، وكان لفكره أثر مباشر وعميق على تحولات كبرى في التاريخ، خاصة في اللحظات التي كانت فيها الشعوب تبحث عن العدالة وتطمح إلى تحرير الإنسان من قبضة الحكم المطلق. أفكاره، التي ظهرت في كتاب “روح القوانين”، لم تبق حبيسة الصفحات الفلسفية بل تحولت إلى أدوات سياسية وثورية ألهمت الأجيال والمفكرين، فكان لها دور محوري في اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789، تلك اللحظة التاريخية التي تحدّى فيها الشعب الفرنسي سلطة الملك وأعاد رسم علاقته بالدولة على أسس جديدة قائمة على المواطنة، المساواة، وفصل السلطات. لقد كان مونتسكيو من الأسماء التي تنادى بها الحركات التنويرية في فرنسا، ووجدت فيها مبادئ الحرية السياسية التي طالما افتقدها الشعب تحت ظل نظام ملكي مركّز السلطة.

ومع توسع الفكر الديمقراطي في أوروبا والولايات المتحدة، تحولت نظرية فصل السلطات من إطار نظري إلى قاعدة دستورية منصوص عليها بوضوح في العديد من الدساتير، ولا سيما الدستور الأمريكي عام 1787 الذي تبنى الفكرة بشكل مباشر وجعلها قلب النظام السياسي، فأصبحت المؤسسات السياسية هناك قائمة على استقلال تشريعي وتنفيذي وقضائي يمنع تغوّل أي جهة. هذا التأثير امتد إلى النظم الغربية عمومًا، وغيّر شكل الحكم من تركيز إلى توزيع، ومن هيمنة إلى رقابة متبادلة، وجعل من الدولة الحديثة آلة متوازنة تضمن الحريات وتحمي من الاستبداد.

لكن المثير للاهتمام أن تأثير مونتسكيو لم يقتصر على السياق الغربي وحده، بل وصل إلى مناطق أخرى من العالم، ومنها العالم العربي، حيث بدأت بعض الدول بمحاولات جادة لترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات. على سبيل المثال، يُعد الدستور التونسي لعام 2014 خطوة مهمة في هذا السياق، فقد تم فيه إقرار فصل جزئي للسلطات سعياً لإقامة نظام ديمقراطي يعكس إرادة الشعب ويحد من التدخلات السياسية في السلطة القضائية. ورغم التحديات السياسية والمؤسساتية، فإن مجرد تبني هذه المبادئ دليل على أن فكر مونتسكيو تجاوز الجغرافيا والثقافة ووصل إلى قضايا الحكم في مناطق متعددة.

في المقابل، نجد أن الأنظمة التي ترفض هذا الفصل – وتصر على تركيز السلطة في يد جهة واحدة، كما هو الحال في بعض الديكتاتوريات المعاصرة – تؤكد بطريقة غير مباشرة صحة تحذيرات مونتسكيو، إذ غالبًا ما ترتبط هذه الأنظمة بانتهاكات حقوق الإنسان، وتضييق الحريات، وغياب الشفافية، مما يعكس أن تجاهل مبدأ التوازن بين السلطات ليس فقط خطأ نظريًا، بل خطر عمليًا يؤدي إلى تفكك المجتمعات وانحطاط المؤسسات. لقد كان مونتسكيو واضحًا في قوله إن تركيز السلطة يولّد الاستبداد، والتجارب الحديثة تثبت أن هذا التحذير لم يكن تنبؤًا فلسفيًا فحسب، بل قراءة دقيقة لجوهر السلطة وميولها إذا تُركت دون كوابح.

وبمرور الزمن، لم يتراجع تأثير مونتسكيو بل أخذ يتجدد مع كل أزمة سياسية ومع كل محاولة لإعادة بناء الدولة، ليبقى فكره ضوءًا يهتدي به المصلحون في سعيهم لبناء أنظمة قائمة على العدالة، التوازن، واحترام الإنسان. إذا أردت، يمكنني مساعدتك على توسيع هذا النقاش نحو أثر أفكاره في الدساتير الآسيوية أو في النماذج الفيدرالية المعاصرة.

في النهاية وفي عالمٍ يزداد فيه التنازع بين إرادة الشعوب وطموحات السلطة، يظل مونتسكيو حاضرًا كضميرٍ قانوني وسياسي، لا يموت بفعل مرور الزمن ولا يُنسى بتعاقب الأنظمة. هو من أولئك الذين كتبوا أفكارهم بحبر العقل على صفحات التاريخ، فغدت نصوصه أشبه ببوصلة أخلاقية ترشد الأنظمة إلى مواطن العدالة وتنبهها من منزلقات الاستبداد. إن نظرية فصل السلطات التي صاغها ليست رفاهية فكرية أو ترفًا أكاديميًا، بل صرخة نابعة من تأمل عميق في طبيعة الإنسان والسلطة. كانت، وما زالت، صمام الأمان الذي يمنع السلطة من التمدد في الفراغ، ويقيدها بقيود الموازنة والمساءلة والرقابة المتبادلة.

في الأنظمة الديمقراطية، تظهر أفكار مونتسكيو في بنية الدولة كما لو أنها نُسجت من خيوط فلسفته؛ فكل مؤسسة تستمد شرعيتها من استقلالها عن الأخرى، وكل سلطة تُمارَس وفي يدها مرآة تعكس نفسها وتُخضعها للفحص والنقد. وحين تهمّ الحكومات باختراق الخطوط الفاصلة بين السلطات، تكون العودة إلى أفكار مونتسكيو واجبة، لأن فكرته الكبرى لا تتعلق فقط ببنية الدولة، بل بجوهر الحرية ذاتها، الحرية التي لا تُؤخذ من السلطة بل تُحمى منها. لذلك، فإن مونتسكيو لا يعيش فقط في نصوص الدساتير، بل في كل محاولة لإنشاء منظومة تحترم الإنسان وتصون كرامته.

أما في مواجهة الاستبداد الحديث، فإن أفكار مونتسكيو تتحوّل من نظرية إلى سلاح فكري، ومن اجتهاد قانوني إلى شعلة مقاومة. الأنظمة التي ترفض الفصل بين السلطات وتُبقي مقاليد الحكم موحدة في يد جهة واحدة، تُثبت يومًا بعد يوم صدق تحذيره من أن السلطة إذا تُركت دون تقييد، فستطغى وتُفسد وتبطش. ومن هنا، فإن مونتسكيو لا يُستحضَر في كتب القانون فقط، بل يُستدعَى في ميادين الاحتجاج، في محاكم العدالة، في قاعات صياغة الدساتير، وفي كل موقف يتطلب أن نقول للسلطة “هنا ينتهي نفوذك، وهنا تبدأ حرية المواطن”.

هو حيّ لأن الاستبداد لم يمت، وحيّ لأن العدالة ما زالت تُطلب، وحيّ لأن الإنسان لم يكف عن الحلم بنظام لا تلتهمه السلطة ولا تغدر به السياسة. في عصر تتجاذبه نزاعات الديمقراطية الزاحفة والاستبداد المتربّص، تظل فلسفة مونتسكيو مرجعًا للباحثين عن توازن لا يسحق الحقوق، وعن دولة لا تُبنى على ولاء عميان، بل على عقل حرّ يُحاسب ويُفكك ويعيد البناء. فطالما كانت الحرية هدفًا، فمونتسكيو حاضر في القلب والعقل، يحاكمنا جميعًا إن نحن نسينا أن في توزيع السلطة حياة، وفي مركزيتها موت.

عبد العزيز بدر عبد الله القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.

Share201Tweet126
  • About
  • Advertise
  • Privacy & Policy
  • Contact
Whatsapp : +96899060010

Welcome Back!

Login to your account below

Forgotten Password?

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Log In

You cannot copy content of this page

No Result
View All Result
  • أخبار
    • الطقس
    • Oman News
  • مقالات
  • وظائف وتدريب
  • ثقافة وأدب
    • شعر
    • خواطر
    • قصص وروايات
    • مجلس الخليلي للشعر
  • تلفزيون
    • بث أرضي للقناة الرياضية
  • لا للشائعات
  • المنتديات

Copyright © 2024