في عالم تتقاطع فيه الثقافات وتتعدد فيه المعتقدات، يبرز دور العلماء المسلمين كجسور للتواصل والحوار، حاملين رسالة سامية تقوم على التعارف والتفاهم بين الشعوب والأديان. فمنذ فجر الإسلام، كان العلماء ورثة الأنبياء، لا يحملون مشعل الهداية فحسب، بل يبنون صروحاً من الحكمة والتسامح، يؤكدون من خلالها أن التعايش بين الأديان ليس ممكناً فحسب، بل ضرورة إنسانية وأخلاقية.
لقد عمل هؤلاء العلماء على ترجمة مبادئ الإسلام السمحة إلى واقع ملموس، فلم يكونوا مجرد نقلة للعلم، بل كانوا سفراء للسلام، يسعون إلى كشف الحقائق، ويدحضون الشبهات بالحجة والبرهان، ويؤسسون لمنهجية حوارية تقوم على الاحترام المتبادل. ففي الوقت الذي يزداد فيه العالم انقساماً، يأتي دورهم حاسماً في تعزيز لغة التفاهم، وإثبات أن الدين ليس أداة صراع، بل عامل توحيد للإنسانية جمعاء.
ومن بين هؤلاء العظماء، برز عالم جعل من الحوار بين الأديان رسالته، ومن إنصاف الحق غايته، فلم يكتفِ بالدفاع عن عقيدته، بل انطلق ليخاطب العالم بلغة العقل والمنطق، مستخدماً أدوات العصر من مناظرات علنية وكتب مترجمة، ليصل برسالة الإسلام إلى الملايين. لقد كان نموذجاً للعالم المجاهد الذي حوّل السجال العقائدي إلى فرصة للتعلم المتبادل، بدلاً من أن يكون سبباً للقطيعة والجفاء.
إن الحديث عن هذا العلم الشامخ ليس مجرد استعادة لسيرة فردية فحسب، بل هو إضاءة على نموذج نادر للعالم المسلم الذي جمع بين غزارة العلم وقوة الحجة، وبين الأخلاق الرفيعة والثبات على المبدأ. فهو لم يكن مجادلًا يبحث عن الانتصار الشخصي، بل كان داعية إلى الحق، يؤمن بأن الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق الناس بها.
في هذا السياق، نستحضر مسيرة مَنْ جسّد هذه القيم، والذي ستكشف صفحات بحثنا عن جوانب من حياته وإنجازاته، عسى أن تكون نموذجاً يُحتذى في زمنٍ أصبح فيه الحوار بين الأديان أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
شخصيتنا اليوم، شخصية كان لها دور فريد في الدعوة الإسلامية، الشيخ أحمد ديدات (1918-2005م) الذي يمثل ظاهرة فريدة في عالم الدعوة الإسلامية المعاصرة، حيث استطاع بمنهجه المبتكر وأسلوبه الجريء أن يحدث نقلة نوعية في حوار الأديان، محولاً السجال الديني من حوارات نخبوية مغلقة إلى مواجهات فكرية علنية يتابعها الملايين حول العالم. لقد كان ديدات -الذي عُرف بـ”أسد المناظرات”- ظاهرة استثنائية جمعت بين بساطة الرجل العصامي وعمق المفكر الاستراتيجي، بين حماسة الداعية المخلص وبراعة المحاور المنطقي.
تميزت شخصية ديدات بخصائص نادرة جمعت بين عمق العالم الشرعي وبراعة المحاور الاستراتيجي. فمن ناحية، امتلك فهماً دقيقاً للنصوص الدينية الإسلامية والمسيحية على حد سواء، ومن ناحية أخرى أتقن فنون الجدل والمناظرة إلى درجة جعلت كبار رجال الدين المسيحي يحجمون عن مواجهته. لم يكن ديدات مجادلاً تقليدياً، بل طور منهجاً علمياً دقيقاً يعتمد على النصوص المقدسة ذاتها لإثبات حقائق الإسلام، مستخدماً الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد كأداة رئيسية في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأحقية الإسلام.
لقد أدرك ديدات مبكراً أهمية الوسائل الحديثة في معركة الأفكار، فكان من أوائل الدعاة المسلمين الذين استثمروا وسائل الإعلام الغربية لنشر حقائق الإسلام. سجلت مناظراته مع كبار القساوسة والإنجيليين في الغرب، مثل جيمي سواجارت وأنيس شروش، نقلة نوعية في تاريخ الدعوة الإسلامية، حيث نقل المعركة الفكرية إلى معاقل المسيحية الإنجيلية نفسها. هذه المناظرات التي انتشرت على نطاق واسع عبر الأشرطة المسموعة والمرئية، ثم عبر الإنترنت لاحقاً، شكلت مواد تدريبية لأجيال من الدعاة المسلمين في مختلف أنحاء العالم.
وعلى المستوى العملي، لم يقتصر تأثير ديدات على المناظرات العلنية، بل أسس مدرسة دعوية متكاملة من خلال مركز الدعوة الدولية في ديربان، الذي أصبح منارة لتدريب الدعاة على فنون الحوار والمناظرة. كما ترك مكتبة غنية من المؤلفات والكتب التي تمت ترجمتها إلى عشرات اللغات، ومن أبرزها كتاب “الاختيار بين الإسلام والنصرانية” الذي يعتبر من أكثر الكتب تأثيراً في مجال مقارنة الأديان في العصر الحديث.
واجه ديدات في مسيرته تحديات جمة، بدءاً من معارضة بعض الأوساط الدينية المسيحية التي رأت في منهجه تهديداً لسيطرتها الفكرية، ومروراً بانتقادات من بعض الأوساط الإسلامية التقليدية التي رأت في أسلوبه المباشر خروجاً عن الأعراف الدعوية المألوفة، ووصولاً إلى التحديات الصحية حيث قضى السنوات التسع الأخيرة من حياته طريح الفراش بسبب مرض الشلل الذي أصابه، دون أن يثنيه ذلك عن متابعة رسالته عبر الكتابة والتوجيه.
ويظل الإرث الأكبر للشيخ ديدات هو تحويله للحوار الديني من مجرد نقاشات هامشية إلى علم قائم بذاته له مناهجه وأصوله، وإلهامه لجيل جديد من الدعاة الذين ساروا على دربه، لقد أثبت ديدات أن المواجهة الفكرية المنهجية يمكن أن تكون أكثر فاعلية من المواجهات العسكرية في الدفاع عن الإسلام، وأن العالم المسلم الواعي بقدر أن يكون سفيراً للإسلام أكثر تأثيراً من الجيوش الجرارة.
نشأة الشيخ وتكوينه الفكري
وُلد أحمد ديدات عام 1918 في قرية تادكهار الهندية الصغيرة، حيث قضى طفولته الأولى في كنف أسرة متواضعة الحال. وعندما بلغ التاسعة من عمره، رحل مع والديه إلى جنوب أفريقيا طلباً للرزق، لتبدأ مرحلة جديدة من حياته في مدينة ديربان التي ستشهد لاحقاً ميلاد أحد أبرز دعاة الإسلام في العصر الحديث.
كانت ظروف المعيشة الصعبة تحكم خيارات الصبي أحمد، فما كاد يبلغ السادسة عشرة حتى اضطر لترك مقاعد الدراسة تحت وطأة الحاجة المادية. بدأ رحلته العملية في متجر صغير لبيع الملح، ثم انتقل للعمل في مصنع للأثاث، حيث قضى سنوات شبابه بين أدوات النجارة وروائح الخشب. لكن هذه الظروف القاسية لم تكن سوى محطة ضرورية في صقل شخصيته، إذ زرعت فيه قيم المثابرة والصبر التي ستميز مسيرته لاحقاً.
وفي خضم هذه الحياة العملية الشاقة، بدأت تتشكل ملامح التحول الفكري عند ديدات. فقد لفت انتباهه ذلك النشاط المكثف للمنصرين المسيحيين الذين كانوا يستهدفون العمال المسلمين في جنوب أفريقيا. أثارت هذه المواجهات غير المتكافئة فضوله وحميته الدينية، فبدأ رحلة بحث شخصية عن الحقيقة، يقلب صفحات الكتب ليلاً بعد يوم عمل شاق. وكانت المفارقة أن كتاباً قديماً بعنوان “إظهار الحق” للعلامة رحمة الله الهندي، سيشكل المنعطف الحاسم في حياته، إذ فتح عينيه على آفاق جديدة في مقارنة الأديان.
منذ تلك اللحظة الفاصلة، كرس ديدات كل وقت فراغه للدراسة الذاتية والبحث العميق. كان يقتطع من راتبه الضئيل ما يشتري به الكتب، ويقضي الساعات الطوال بين دفتيها بعد يوم عمل مرهق. ولم تكن اللغة الإنجليزية حاجزاً أمامه، بل تحولت إلى أداة يتقنها يوماً بعد يوم من خلال المطالعة المستمرة والممارسة اليومية، حتى أضحت سلاحاً فعالاً في يديه. وهكذا، ومن بين ركام التحديات المادية والمعرفية، تشكلت ملامح داعية استثنائي، ستتغير على يديه معادلات الحوار بين الأديان في العقود التالية.
بدأت رحلة الشيخ أحمد ديدات الدعوية بخطوات متأنية لكنها ثابتة، حيث ألقى أولى محاضراته العامة في مسجد جوهانسبرج عام 1942، وكانت تلك البداية المتواضعة لمشوار طويل من العطاء. لم تكن محاضراته مجرد دروس تقليدية، بل حملت بذور منهجه الفريد الذي سيطوره لاحقاً، حيث اعتمد على التحليل المنطقي والمقارنة الموضوعية بين الأديان. وبعد خمسة عشر عاماً من العمل الدؤوب، أسس “معهد السلام لتعليم القرآن” عام 1957، الذي أصبح نواة لمشروعه الدعوي الكبير، حيث بدأ بتدريب جيل من الشباب المسلم على فنون الحوار والدفاع عن العقيدة.
كما اشتهر ديدات بمناظراته الجريئة التي هزت أركان الأوساط الدينية العالمية، حيث واجه كبار القساوسة واللاهوتيين المسيحيين في ساحاتهم الخاصة. كانت مناظرته مع القس جيمي سواجارت أحد أبرز المحطات في مسيرته، حيث استطاع ببراعة نادرة أن يعرض حقائق الإسلام مستخدماً نصوص الكتاب المقدس نفسه. أما مناظرته الشهيرة مع القس جوش مكدويل، فقد تميزت بعمق التحليل ودقة الاستشهاد، حيث كشف تناقضات الأناجيل بأسلوب علمي رصين. اعتمد ديدات في منهجه الحواري على ثلاث ركائز أساسية: التمسك بالنصوص المقدسة كمرجعية، والتحليل المنطقي للعقائد، واحترام الخصم الفكري مع عدم التنازل عن الثوابت.
بلغت مسيرة ديدات ذروتها بتأسيسه “مركز الدعوة الدولية” في ديربان عام 1986، الذي تحول إلى منارة عالمية للدعوة الإسلامية. لم يقتصر عمل المركز على استضافة المناظرات الكبرى، بل شمل تدريب مئات الدعاة من مختلف أنحاء العالم على أساليب الحوار الفعال، وإنتاج مواد دعوية متطورة تواكب العصر. أصبح المركز قبلة للباحثين عن الحق، حيث زوده ديدات بمكتبة ضخمة تضم أهم المراجع في مقارنة الأديان، ووضع برامج تدريبية متكاملة تغطي جميع جوانب الدعوة الإسلامية المعاصرة.
وترك ديدات إرثاً كتابياً ضخماً يعد مرجعاً أساسياً في حقل مقارنة الأديان، حيث تميزت مؤلفاته بالدقة العلمية والأسلوب المبسط. يأتي كتاب “الاختيار بين الإسلام والنصرانية” على رأس قائمة أعماله، حيث قدم فيه مقارنة شاملة بين العقيدتين بأسلوب يحترم عقل القارئ. أما كتابه “هل الكتاب المقدس كلام الله؟” فقد شكل نقلة نوعية في الدراسات النقدية للكتاب المقدس من منظور إسلامي. لم تقتصر شهرة كتبه على العالم الإسلامي، بل تمت ترجمتها إلى 22 لغة، مما وسع دائرة تأثيرها لتشمل ملايين القراء حول العالم، حيث أصبحت مراجع أساسية في المكتبات الجامعية ومراكز الأبحاث الدينية.
كان المنهج الذي اتبعه يعتمد على الوضوح والمباشرة في التعامل مع القضايا الدينية، خاصة في مواجهة المنصرين، حيث ركز على الحوار المباشر معهم دون مواربة أو مجاملة. كان يرى أن المواجهة الفكرية الصريحة هي الوسيلة الأفضل لتفنيد الأفكار المغلوطة وإظهار الحق. وقد اعتمد في ذلك على استخدام المنطق والعقل، معتبرًا أن الحجة العقلية هي الأساس في أي نقاش، مما جعل حواراته تتميز بالعمق والقدرة على إقناع الخصم أو كشف تناقضاته.
كما تميز منهجه بالاعتماد المكثف على نصوص الكتاب المقدس نفسه، حيث كان يستشهد به لإثبات وجهة نظره، مما أعطى ردوده مصداقية كبيرة، خاصة عند مخاطبة المسيحيين الذين يعتبرون هذه النصوص مرجعًا مقدسًا. كان يحرص على توثيق كل حجة بنص واضح، مما جعل أسلوبه منهجيًا ومقنعًا.
أما من الناحية العملية، فقد استخدم أدوات دعوية متنوعة كان لها أثر واسع، مثل تسجيلات الفيديو التي وثّق فيها مناظراته مع المنصرين، والتي انتشرت على نطاق عالمي وساهمت في إثارة النقاشات الفكرية حول العديد من القضايا الدينية. كما اعتمد على المنشورات المبسطة التي قدم فيها ردودًا مختصرة على الشبهات الشائعة، مما ساعد في توصيل المعلومة بطريقة سهلة للعامة.
ولم يقتصر جهده على المواجهة المباشرة أو الإعلامية فقط، بل امتد إلى التدريب والتأهيل، حيث أقام دورات تدريبية لتعليم الدعاة الجدد كيفية مواجهة الشبهات والرد عليها بطريقة علمية وعقلانية. وهكذا جمع بين العمل الفردي والجماعي، وبين الجانب النظري والعملي، مما جعل منهجه شموليًا مؤثرًا.
لقد ترك هذا الداعية أثرًا عميقًا على المستوى العالمي، حيث ساهم في تغيير الصورة النمطية عن الإسلام في الغرب، خاصة من خلال حواراته المنطقية الهادئة التي اعتمدت على الحجة والدليل. لم يكن مجرد مدافع عن العقيدة، بل قدّم الإسلام بصورة عقلانية قادرة على مخاطبة العصر، مما جعل الكثيرين في الغرب ينظرون إليه باحترام، حتى من خصومه. وأصبح نموذجًا يُحتذى به، حيث ألهم جيلًا جديدًا من الدعاة الذين ساروا على دربه، مثل زاكر نايك الذي اعتبره قدوته في المنهج العلمي والحوار الهادئ.
وفي العالم الإسلامي، كان تأثيره واضحًا في تطوير آليات الرد على الشبهات، حيث نقل الحوار الديني من مستوى الردود العاطفية إلى النقاش المنهجي القائم على التحليل العلمي للنصوص. كما أسهم في تأسيس مراكز متخصصة في الحوار بين الأديان، أصبحت لاحقًا نقاط ارتكاز للدفاع عن الإسلام وتعزيز التفاهم بين الأديان. وقد حظي بتقدير كبير، حيث مُنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986، تقديرًا لجهوده في الدعوة والفكر الإسلامي. كما اعتبرته وسائل الإعلام واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في جنوب أفريقيا، حيث عاش وعمل، نظرًا لدوره الفكري والاجتماعي البارز.
لكن مسيرته لم تخلُ من التحديات، فقد تعرض لامتحان صعب عندما أصيب بمرض نادر تسبب في شلل تام استمر تسع سنوات، ومع ذلك ظلّ صامدًا، مواصلًا الإشراف على أعماله الدعوية رغم ظروفه الصحية الصعبة. وفي عام 2005، توفي بعد رحلة كفاح طويلة، ودُفن في جوهانسبرج، تاركًا خلفه إرثًا فكريًا ودعويًا لا يزال حيًا حتى اليوم، يؤثر في الأجيال الجديدة التي تتخذ من منهجه العقلاني وأسلوبه الحواري نموذجًا يحتذى به في الدفاع عن الإسلام.
لقد شكلت مسيرة هذا الداعية علامة فارقة في تاريخ الدعوة الإسلامية المعاصرة، حيث نجح في تطوير علم مقارنة الأديان بصورة حديثة تعتمد على التحليل الموضوعي والنقاش المنطقي بدلاً من الخطاب العاطفي. كما كان له الفضل في تأهيل آلاف الدعاة الذين تخرجوا من مدرسته الفكرية، محملين بأدوات الحوار الفعال والقدرة على مواجهة الشبهات بعمق وثقة.
لكن مسيرته لم تخلُ من الانتقادات، حيث وُجهت إليه اتهامات باستخدام أسلوب حاد في بعض المناظرات، مما أثار ردود فعل غاضبة من بعض المسيحيين الذين رأوا في طريقته استفزازًا أكثر منها حوارًا بناءً. ومع ذلك، يبقى أن أساليبه – وإن كانت قد أثارت جدلاً – إلا أنها نجحت في كسر حاجز الصمت الذي كان يحيط بالحوار الإسلامي المسيحي، وفتحت الباب أمام نقاشات أكثر جرأة ووضوحًا.
وتظل أهم الدروس المستفادة من تجربته هي ضرورة الفهم العميق لمعتقدات الآخر كشرط أساسي للدفاع عن العقيدة، وكذلك أهمية توظيف الوسائل الحديثة في الدعوة، حيث أثبتت مناظراته المصورة كيف يمكن للتقنية أن تكون أداة فعالة في نشر الأفكار وإثارة النقاشات العالمية. لقد ترك وراءه نموذجًا يحتذى به في الجمع بين الأصالة الفكرية والجرأة في الطرح، مع إبقاء الباب مفتوحًا للتعلم من الأخطاء وتطوير الأدوات الدعوية باستمرار.
أخيراً، لقد اخترت الكتابة عن هذه الشخصية لأنها تمثل نموذجًا فريدًا للعالم المجاهد الذي كرّس حياته للدفاع عن الحق، وأثبت أن الفكر الرصين والأسلوب العلمي يمكن أن يكونا أقوى سلاح في مواجهة التشويه والافتراء. إن حبي لمآثر العلماء ليس مجرد إعجاب عابر، بل هو تقدير عميق لكل من وهب عمره لخدمة العلم والدين، وضحّى براحته من أجل إعلاء كلمة الحق. هذه الشخصية بالذات تذكرني دائمًا بأن العالم الحقيقي ليس فقط من يخزن المعلومات في صدره، بل من يخرجها سلاحًا يدافع به عن دينه، وينير به عقول الناس. كم أعشق تلك الروح التي لا تعرف المستحيل، والتي ترفض أن تكون على الهامش بينما يدور الصراع الفكري في الساحة! لقد أصبحت هذه السيرة العطرة جزءًا من إلهامي، تذكيرًا لي بأن العلم ليس مجرد نظريات وحفظ، بل هو جهاد بالحجة والبيان، وصبر على المشاق كما صبر هو تسع سنوات كاملة وهو طريح الفراش دون أن يتوقف عقله عن العطاء. رحم الله هذا العالم الجليل، وجعلنا من الذين يسيرون على دربهم، حاملين مشعل العلم والإيمان في زمن كثرت فيه الضلالات والشبهات.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان / كاتب ومفكر – الكويت.