يعد تفسير الطبري من أشهر الكتب الإسلامية المختصة بعلم التفسير، ويُعِدَه البعض المرجع الأول للتفسير بالمأثور.
يعدُّ تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) أحد أهم التصانيف في المدونة التفسيرية، فالإمام الطبري اعْتُبِرَ بهذا الكتاب أباً للتفسير وشيخاً للمفسرين بلا منازع، وعُدَّ تفسيره من أقوم التفاسير وأشهرها وأكثرها أهمية بين سائر المؤلفات.
وقد أجمع العلماء على عظيم قيمة هذا التفسير، وتنوعت عباراتهم في الثناء على هذا الكتاب وبيان أهميته، وأنه لا غنى عنه لطالب العلم عموماً، وطالب التفسير على وجه الخصوص، قال أبو حامد الإسفراييني: “لو سافر رجلٌ إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثير”.
انطلق الطبري في تفسيره للقرآن من منهجيّة واضحة مرسومة قد استعدّ لها مسبقاً، حين تسلّح بأدوات العلم والمعرفة اللازمة لخوض غمار هذا البحر المتلاطم الأمواج، وكان شيخ المفسرين نعم الربان الذي اقتحم هذا البحر فأثبت قدمه فيه، فبداية وضع الطبري مقدمة لكتابه شرح فيها أصول التفسير في الإسلام التي التزم بها هو بنفسه، فكان إذا أتى إلى تفسير آية من آي كتاب الله فإنّه يلجأ أوّلاً إلى تفسيرها بآية أخرى في القرآن الكريم، وإلّا فإنّه يفسّرها بالسنّة النبويّة، وبعد السنة تأتي أقوال الصحابة ثمّ التّابعين ثمّ تابعي التّابعين، وبعدها يذكر أقوالاً أخرى متفاوتة في الدّرجة والثّقة بناء على اختلاف في قراءة الآية ربّما، أو اختلاف في تأويلها، وبعدها يرجّح رأياً من هذه الآراء بناء على حجج علميّة منطقيّة مقنعة؛ كالاحتكام إلى اللغة التي نزل فيها الكتاب، أو نقد القراءة من حيث القوة والضعف، أو من خلال الرجوع إلى ما قرره العلماء الكبار من أصول عقائد أهل الحديث والاثر ، أو غيرها من العلوم والمعارف التي أحاط بها الطبري في مسيرته العلمية.
وكان الإمام الطبري من المفسرين الذين امتنعوا عن التفسير بناء على الرأي، وكذلك حذّر من تلك المسألة، وأورد أحاديث كثيرة تحرّم ذلك، فتفسيره سفر عظيم من 14 مجلداً كان يأتي بالآية فيذكر بعدها أقوال الرّجال الذين ارتضى أن يأخذ التفسير عنهم، فيذكرها بأسانيدها، وهذه ميزة لم تكن منتشرة في عصره، ثمّ بعد الانتهاء من التّفسير يرجّح ما يراه هو صواباً.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان