اقترب موعد وصولها .. وصلت الرسالة النصية على الجوال .. تخبره وتنبهه بالوصول المزركش برسوم وزخرفة المعاناة .. تصفح بقلق شديد بما احتوته من إحصائيات مرعبة .. وقف مذهولًا مندهشًا .. يشعر بالغضب يعصف كيانه ، ذهب إلى مكتبها المكتظ بالمراجعين لاستخراج نسختها ( الأصل ) .. يمسك بتلك الورقة بين يديه بقوة ، يقرأ ما كتب فيها بعيون جاحظة كادت تخرج من مقلتيها ، غير مصدق ما يرى ، إنها رسالة وصلته إلى جهازه النقال لم يكتب فيها إلا جملة واحدة : ” مستحقات هذا الشهر ١١٤ ريال عماني ” قرأ الجملة مرات عديدة واخذ صداها يتردد في أذنه وجميع حواسه ١١٤ ، ١١٤ ، ١١٤ ريال عماني فالرقم يفوق الخيال .. تفكير عميق ، وتشتت عقل ، وهذيان وسرحان كاد أن يسبب له حادث سير .
وهنا لم يعد يتحمل فقبض ورقتها بقوة بين يديه ونيران الغضب تحرقه حرقًا ، وقرر أن يدفع شيئًا من ذلك الرقم المخيف فهو من ذوي الدخل المحدود وينتابه الإحساس بأن استهلاكه لا يوازي هذا المبلغ الكبير ، ذهب إلى منزله ثائرًا غاضبًا ، كانت هي تضحك بسخرية ولسان حالها يقول له بعدك لم ترى من ( مجان ) إلا الشيء القليل ، ستأتيك الأرقام الأعلى في الأشهر القادمة وأنصحك بدفع مستحقاتي حتى لا تتعرض لقطع خدماتي .. وهنا ثار ذلك الرجل المغلوب على أمره وحاول أن يمزقها ، ولكن ” مجان ” تمسكت به وقالت لن ينفعك تمزيقي .. كذا أو كذا ستدفع يعني ستدفع ، فأنا حكاية ليس لها نهاية .. جلس يشكو حزنه وبثه وهمه إلى الله .. ويحاكي أحزانه مع كل شخص في طريقه يلقاه .. ويسأل أسئلة حيرانه هل تريد أن تقتلنا ” مجان “؟ ومن سيحاسبها وهي تذلنا وتنهب جيوبنا كل شهر ؟ شعور حزين يلازم فقراء المستهلكين .. وقلق مستمر في القلوب دفين، فمتى سينتهي هذا الهاجس المرعب الذي يقتل نفوس صغار المستهلكين ببطء شديد .. يا كبار القوم ارحموا من في الأرض ، يرحمكم من في السماء .. صرخة يطلقها ذلك المسكين لتعانق عنان السماء ويسمع صداها كل من له قلب رحيم .. وفي نهاية المشهد كل من يخرج من مكاتبها وفروعها يردد بالقول ( حسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير ).
بقلم : خليفة البلوشي