لنبش والتذكير… ومن أجل الأجيال والذاكرة والمستقبل، نعود ونستحضر الكتاب مجددًا للأهمية التاريخية، خاصة في ظل ما يسمى: “معاهدات واتفاقات السلام المزعومة مع إسرائيل” التي تخيم على الأجواء، والغضب العارم الذي يجتاح فلسطين وكل العرب العروبيين الاحرار، حيث الجميع يشعر بالغدر والخيانة والخذلان العربي لفلسطين وشعبها العربي، والجميع يستحضر في هذه الأجواء والمناخات الصادمة من بعض الحكام العرب الأعراب؛ فلسطين والنكبة والتحولات العربية تجاه العدو الوجودي للأمة، والجميع يستحضر بذهول شريط فلسطين وضياعها وتطورات الأحداث بعد ذلك، ولعلنا في ظل كل هذه التداعيات نستحضر أيضًا الوثائق والعناوين المختلفة المتعلقة بالنكبة الفلسطينية وضياع فلسطين، وكذلك الدور والأحوال العربية وتداعياتها على القضية الفلسطينية، فمرة أخرى تستدعي التطورات في المشهد الفلسطيني والعربي الراهن الممتد من فلسطين إلى العراق و مصر فالسودان، فليبيا، فسورية ولبنان وغيرها، استحضار ما جاء في كتاب “خنجر اسرائيل” للنبش والتذكير، كي لا ننسى تلك المشاريع والمخططات الاستعمارية المتصلة التي تستهدف تفكيك وتدمير الأمة، والتي ما تزال تنسحب بمضامينها وأهدافها الاستراتيجية على المشهد العربي الراهن…!
ففي عام 1957أصدر الكاتب الهندي “ر.ك.كارانجيا”-صاحب مجلة “بليتز” الهنديه- كتابه الذي أطلق عليه “خنجرإسرائيل” الذي شبه فيه إسرائيل بخنجر أجنبي مسدد إلى رقبة العالم العربي، وقد تضمن الكتاب الذي حمل مقدمة بتوقيع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، من ضمن ما تضمنه، حوارًا أجراه الصحفي الهندي كارانجيا مع الجنرال الأبرز في الكيان الصهيوني موشى ديان الذي كشف النقاب عن وثيقة سرية أعدتها هيئة الأركان العامة الإسرائيلية جاء فيها: “لتقويض الوحدة العربية وبث الخلافات الدينية بين العرب، يجب اتخاذ الإجراءات منذ اللحظة الأولى من الحرب لإنشاء دول جديدة في أراضي الأقطار العربية، ومما جاء على لسان قادة الجيش الإسرائيلي فيها أيضًا” … لذا يجب أن نضع نصب أعيننا في كل الخطط التي نرسمها الهدف المزدوج التالي:
1- الاستيلاء على الأراضي ذات الأهمية الجوهرية لنا في زمن الحرب وذلك كهدف أدنى.
2- الاستيلاء على الأراضي الكفيلة بأن تسد كل احتياجاتنا وذلك كهدف أقصى – ر.ك. كرانجيا / خنجر إسرائيل، الطبعة الأولى 1958 ص45″.
وأوضحت الوثيقة/الخطة “أن الهدف الاقليمي الأدنى لإسرائيل هو احتلال المناطق المجاورة لقناة السويس ونهر الليطاني والخليج الفارسي لأنها تنطوي على أهمية حيوية – المصدر السابق نفسه ص 81”.
وتقضي الخطة الإسرائيلية بتقسيم العراق إلى 3 دويلات: كردية في الشمال، ينضم إليها الأكراد من الدول المحيطة، وعربية ذات أغلبية سنية في الوسط، وشيعية تلحق بإيران دينيًا وسياسيًا في الجنوب، وتقسيم سورية إلى 3 دول أيضًا: درزية وعلوية وسنية، وتحويل لبنان إلى دويلتين شيعية في الجنوب ومارونية في الشمال، وعندما سأل الصحفي الهندي الجنرال ديان عن كشفه لمثل هذه الخطط كان رده: لا تخف فالعرب لا يقرأون…!
ولم تكن تلك الأهداف والأطماع الصهيونية الموثقة في “خنجر إسرائيل” بلا مقدمات ومشاريع صهيونية مبيتة، فقد أشار دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني في تقرير قدمه أمام المجلس العالمي لعمال صهيون عام 1937 إلى الأهداف الاستراتيجية الصهيونية بعيدة المدى، حيث قال: “إن الدولة اليهودية المعروضة علينا بالحدود الحالية (على يد اللجنة الملكية البريطانية) لا يمكن أبداً أن تكون الحل المنشود لمسألة اليهود، ولا هدف الصهيونية الذي سعت إليه طويلاً، حتى لو أجريت على هذه الحدود بعض التعديلات الممكنة واللازمة لصالحنا.. إلا أنه يمكن قبولها بوصفها المرحلة الأولى والأساسية التي تنطلق منها تتمة مراحل تحقيق الوطن الصهيوني الأكبر، وذلك عن طريق بناء قوة يهودية جبارة فيها، وبأقصر وقت ممكن، ثم احتلال باقي مناطق مطامحنا التاريخية كلها – عن كتاب الصهيونية فكراً وعملاً – ص81 – “.
وكان بن غوريون”من أكثر المؤيدين لإسرائيل الكبرى على مدى سنوات عديدة وذلك في منتصف الخمسينيات، حيث كان يحلم في شبابه بدولة إسرائيلية تمتد على جانبي نهر الأردن – ميخائيل بارزوهر – صحيفة الجروزلم بوست”.
وكان يوسف طرومبلدور أحد كبار الزعماء التاريخيين للطلائع الاستعمارية الصهيونية في فلسطين، قد أدلى بقول تبناه كبار المنظرين الصهيونيين من بعده أكد فيه: “حدودنا تكون في كل مكان يصل إليه محراث عبري – طرومبلدور في نشرة أصدرتها نقابة المعلمين الصهيونيين لصالح الكيرن كييمت – “.
وقد وثق الشاعر الصهيوني المتشدد حاييم حيفر تلك النزعة الصهيونية التوسعية العدوانية في نشيد الطلائع الصهيوني، حيث قال: “نحن نمهر حدودنا بوطء أقدامنا.. ونتجاوز بخطانا بعض ما ليس لنا.. ونقتحم – حاييم حيفر من رجال البلماخ وله زاوية دائمة في صحيفة يديعوت أحرنوت”.
وفي الإطار ذاته جاء في كتاب: “إسرائيل استراتيجية توسعية مغلفة بالسلام” لمؤلفه البروفسور الإسرائيلي المعروف يسرائيل شاحك: “أن رغبة إسرائيل الحقيقية هي السيطرة والنفوذ، وهدفها الحقيقي هو بسط نفوذها وسيطرتها على الشرق الأوسط برمته من المغرب حتى باكستان، وأطماعها أطماع إقليمية بالأساس؛ إلا أنها لا تخلو من أطماع عالمية – صحيفة الأيام الفلسطينية 18/4/1998 “.
وفي الاستراتيجية والأطماع الصهيونية أيضًا كشفت وثيقة إسرائيلية أخرى وضعها ثلاثة باحثين إسرائيليين ترأسهم مهندس المياه اليشع كالي، بتكليف من إدارات حكومية رسمية، النقاب عن الأطماع الصهيونية في الأقطار العربية، حيث أكدت: “أن هدف إسرائيل هو السيطرة على مصادر المياه، وجر النيل إلى النقب، والليطاني إلى طبريا.. وشق وإصلاح وإنشاء الخطوط الحديدية والطرق المعبدة لربط الكيان الصهيوني بالدول العربية المجاورة.. والأهداف والدوافع اقتصادية وسياسية واستراتيجية – صحيفة دافار العبرية 4/6/1983 “.
وجاء في تقرير إسرائيلي آخر: لقد اعتبر الصهيونيون أرض إسرائيل المعلنة تلك الممتدة من الليطاني وحتى سيناء، ومن الجولان حتى البحر – عن نشرة كيفونيم العبرية –”.
وما بين ذلك الزمن الصهيوني في الخمسينيات، والراهن العربي اليوم الذي تتحول فيه اللاءات الناصرية إلى انبطاحات عربية رسمية متوجة باتفاق الإمارات-إسرائيل، لنتابع كيف يوغل الخنجر الصهيوني في الجسم العربي، سواء بأيد أمريكية أو بأيد عربية أعرابية.
يتابع العدو ما يجري في البلاد العربية، ويحرص على بقاء خنجره في الجسم العربي، وما كان أطلقه الجنرال الصهيوني موشيه يعلون في صحيفة يديعوت احرونوت؛ يشرح خطورة ذلك الخنجر، إذ قال: “إنه لم يعد هناك عالم عربي، ولم نعد نتكلم عن عالم عربي، ولا يوجد شيء اسمه تحالف وتضامن عربي، بل هناك لاعبون عرب لكل منهم مصلحته الخاصة، والذي يريد مصلحته عليه أن يكون مرتبطًا بالولايات المتحدة القطب الأوحد الذي يتحكم بالعالم”.
فهل يتعظ أحد من العرب يا ترى…؟!
نواف الزرو
كاتب صحفي وباحث خبير في شؤون الصراع العربي – الصهيوني .