كلما تُولَدُ الخُطى تأكلُ أقداميَ المسافاتُ، كلما تبتسمُ المرايا يتخطى ظلُك انكسارَ الضوءِ، كلما تتسرّبُ أنفاسُكِ مساماتي تتفجرُ شرايينَ الحكاياتِ على ألسنةِ جسدي، كلما اُهدّأُ ذاكرةَ الريحِ تعصُفينَ أشرعتي، كلما تتأرجحُ خيالاتي أتلاطمُ ما بينَ الوهمِ وملامحُ امرأةٍ من وهمٍ، كلما أرممُ تَصدّعَ مساءاتي يمطرُني وجهُكِ … يُسقِط جدراني وكلما تسكُنُني دهشةَ الحروفِ أكتبُكِ قصيدةً تفوحُ روائحُها على ملكوتِ السطورِ وأشربُ عسلَ عينيكِ نخباً لجنونٍ قادم.
كلما تضغطُني المساحاتُ تتسعُ مزارعُ عشبَك، كلما تجلدُني الأسئلةُ تبتسمُ أوجاعِـيَ، تُولِدُ امرأةً تُطلقُ غَنَجَ ضحكاتِها فصولَ دفـئٍ، كلما أتجنّبُ أسئلةَ السكونِ المتساقِطِ كالصخبِ يعرقُ جبينَ اللحظاتِ في كرياتِ دمي، كلما أحتضنُ امرأةً من خيالاتِ الخطايا تنتحرُ نوافذُ يقظتي، كلما تشوّهُ الحماقاتُ، السخافاتُ بكارةَ ليليَ، أودّعُ جسديَ النائمَ لتحلّقَ روحيَ مكتومةَ الأنفاسِ تستنشقُ عَبَق مساحاتُكِ، كلما ألتقي سحرَكِ في زقاقٍ ما… تتصدعُ معابدُ الأشياءَ في كوني واُحلّقُ جرماً صغيراً في مداكِ.
كلما تنضجُ أخاديدَ السنينِ في تضاريسَ وجهيَ وتتصحّرُ سهوليَ، تعاتبُني مواسمَ ربيعٍ غادرتْ أقبيتَها، كلما أعزفُ للعابرينَ صمتَ ضجيجٍ، أتخبّطُ باعترافاتٍ مؤجلةِ السفرِ ومحطاتٍ ثَمُلتْ بخُطى الانتظارِ، كلما أحاصرُ تراكمَ أبجديةِ اتساعَكِ في حويصلاتي، أرمي تعويذةً ورثتُها لأستخرجَ ما يسكُنُ ليلَ روحيَ منكِ، أَشربُك كؤوسَ اشتياقٍ في ليليَ الآخرَ، كلما حاولتُ أنْ أجرّدَ أنفاسيَ موتَها وأشدُّ عزائمِ روحٍ تتهالكُ، تتصدعُ ساعةَ لقاكِ، أخالفُ عزائمي! وارتمي متأججاً، متأهباً للحظةِ جنونٍ وأنا أستنشقُك ساعةَ موتيَ.
كلما راجعتُ حضورَكِ تتسعُ الرؤى، أتكسّرُ بفعلِ الحنينِ، تتصارعُ الأشياءَ بمساحاتٍ ضيقةٍ، اختنقُ وتنعشُني سكائري، أبحثُ عن فضاءاتٍ لبكاءِ مساماتي، أنزفُ بالخُطى على خطوطٍ متوازيةٍ في الصفحاتِ وأتعثرُ بالحروفِ، أجسادُ نصوصٍ لم تكتملَ بعدُ ووجهُ امرأةٍ يشبهُك ينهضُ منها، يتعقبُني يهمسُ أنْ لا مفرَ، أرتجفُ، تتخللينَ مساماتي، اشعرُ بوخزَك خدراً يعطلُني ويبقِيني على مشارفِ هاويةٍ بحجمِ أمنيةٍ تفتحُ ذراعَيها لحلمٍ أعرجٍ.
كلما حاولتُ لا جدوى، يأكلُني الحنينَ، تتسللينَ تهجداً، فكرةً اعشقُها تنسابُ تراتيلاً، نوارساً تطلقُ أزمنةَ الاشتعالِ، ألتحفُ انفاسَك حلماً، احملُكِ صليباً واعبرُ مدناً من الوجوهِ، أتدحرجُ بين عينيكِ لأطفئَ احتراقيَ ولأثملَ بكأسِ امرأةٍ تُغْرِزُ سكينةَ ملامحِها في أروقةِ روحيَ وتتساقطُ أشعةَ عينيها مطراً تُخبرُني حكايةِ حلمٍ ظلَّ الطريق.
جدلية الوجوه هل يا ترى اجيد لعبة الوجوه فمنذ ان تغيّرت الأيام أصبحت الوجوه أقنعة فلكل مناسبة وجه ما، وأصبحت الحقيقة ضائعة بينها، وجوه لم نكن نراها بالأمس؛ مليئة بأسرار لا تحمل من بضاعة البراءة شيء، كنا في زمن مضى نرى قلوبا بيضاء تنعكس على الوجوه، وبراءة مثل ضحكات طفل، كنا إذا ابتسمنا صَدَقنا فالتعابير المرسومة بتقاطيع الوجه تمنحك الأمان والاطمئنان.
وجوه تتقافز كالقردة، ووجوه تجعل من الكلمات غزلاناً، ووجوه بليدة لم تنضج بعد، ووجوه معتمة بلون المجهول كل هذه الوجوه ترافق ساعات يومك، وقد تخدعك التعابير فتتفاعل بطيبة معها وتكتشف لاحقا أنك لست في الزاوية الصحيحة، وجوه تقشع عنك ضباب الرؤى وأخرى تجعلك في ضباب دائم، ووجوه تمحى بلحظات رحيلها وأخرى تسافر بمساماتك ابدا.
وجه امرأة اتحدث عنه لازال يتخلل الأزمنة، يجتاح قوافل البوح ويرسم خرائطاً لعالم صغير من الامنيات، يمنحها فيضاَ من ولادة الحروف؛ لتتماسك الاسطر وتسير هي حافية القدمين بينها، تلاحقها يقظتي وتعانقها افكاري عند سدول الليل، وعند الفجر اغادر احمل معي ألف حكاية وحكاية تحدث بها شهريار، وشهرزاد مستلقية بجانبه كزجاجة نبيذ معتّق تنشر سحر انوثتها بثوب البنفسج، ويثمل بكأس أنفاسها وتفيض كغيمة تطعم سنابلا عطشى فاختُزِلتْ حكايات العمر بليلة واحدة وانتظرا الف شهقة وشهقة لكنها مسارات الاسطر نقضت غزلها فتاه الطريق.
وهذه ال (كلما) موجات إحساس تحاول ان تلم شتات الاتساع للكلمات لتلتقي مع وجه مستتر على الصفحات هذا الوجه لا اسم له يستبيح حقولي فأتيه في شوارع الوهم ابحث عن وجه يلمني فكل تضاريسي قد مسها البرد، وازمنتي مرايا يكاد يغزوها الانجماد فأكابر وانا على هاوية التهشم!، ارقصُ ومدية تحاول اغتيال مذكراتي، ارقص وتسافر احلامي متوجسة على الصفحات لا ملاذ يوقد بروحي الأمان.
وجه ينطلق صوته من ملكوت الله يتدفق كنبض رحمة وموائد حنان، يشعرني بأن الله قد منحه اسرار الجنان، صوت لطالما اخضوضرت بحضرته الأشياء … صوت امي (دللول يالولد يبني دللول عدوك عليل وساكن الچول دللول) فهو الحقيقة الثابتة والصادقة ولا تغيره الظروف الضغوط، وجه امي بكل ما يحمل من وجه الله، وجه امي ملاذاً واماناً.
وجه أمي يملئني من رحمة الله ما لا يشبهه شيء اخر، وجه امي رسمته الملائكة وتوقفت عن رسم اخر مثله، وجه امي رغم اخاديد السنين يشع نورا؛ وتفيض منه انهار الجنة وانهار الفردوس وشلالات المحبة، وجه امي سر من اسرار الله وكوكب درّي يسلك بي دروب الملكوت، وجه امي ألوان قزح تتمرجح في ساحته طفولة الأشياء، وجه امي أفق لنوارس الاماني وتنتهي تحت قدميها الامنيات.
شاعر شط العرب والبصرة : وفي العامري