*كنا* نعتقد بل ربما نتأمل أن يحصل أبناء هذا الوطن على حقهم من التعليم بناء على النظام الأساسي للدولة الذي أكد في مادته (13) على *”أن التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع، ترعاه الدولة، وتسعى لنشره وتعميمه”*، من خلال المؤسسة التربوية والمكلفة من قبل الحكومة بأن تقوم بواجبها المنوط إليها القيام به، ليس في تحقيق التعليم فحسب بل في تمكينه وتجويده وضمان حصول جميع أبناء عمان على ذات الفرص المتساوية من التعليم دون استثناء تحت أي ظرف كان.
وبالرغم من تعليق التعليم منذ مارس الماضي حتى العودة للتعليم في نوفمبر 2020، فإن تلك الفترة الطويلة والتي انقطع طلبة عمان عن المدارس كان غيرهم في العديد من دول العالم يحصلون على التعليم من خلال الاستفادة من التقنيات والإمكانيات التكنولوجية والتي أصبحت متاحة للجميع، وكنا نعتقد أن تلك الفترة التي كان فيها التعليق عن الدراسة أن يتم الاستعداد بصورة جيدة من أجل عودة الطلبة إلى التعليم من جديد بناء على قرار اللجنة العليا وتأكيد جلالة السلطان هيثم بن طارق في كلمته عن التعليم *”إن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلّم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة”.*
ولكن هل قامت المؤسسة المعنية بالتعليم بتحقيق ذلك الأمر؟
مرت ثلاثة أسابيع منذ بدء العام الدراسي، ويفترض أن يكون هناك استعدادًا جيدًا لذلك؛ لأن الفترة الزمنية المتاحة كانت كافية من أجل توفير كافة الإمكانيات التعليمية وقراءة وتحليل الواقع والتعرف على التحديات ومعالجتها قبل بدء العام الدراسي، ولكن ما حدث من أول يوم دراسي يكشف أن هناك خلل ما !.
وأن الأمر لابد من الوقوف عليها خاصة مع بيان تلك الأصوات التي خرجت من الحقل التربوي عبر الإذاعات العمانية المختلفة والتي كشفت عن الواقع الذي يحدث في مدراسنا، ويكشف بما لا يدع مجالاً للشك أنه لم يكن هناك استعدادًا لبدء العام الدراسي وأن التخطيط لم يكن فاعلاً كيف لا وهذا ما نعرضهم عليكم في هذا المقال:
أولاً: قبل بدء العام الدراسي أولياء الأمور لا يعلمون شيئا عن آليات تعليم أبنائهم أو احتياجاتهم من الأجهزة وشبكات الانترنت، ولم يتم توعيتهم بكيفية التعامل مع التعليم الإلكتروني وماذا ينبغي أن يقوموا به؟ إلا أنهم تفاجأوا في مساء الأحد عبر الواتس اب أن هناك افتتاح للمنصات وعليكم الدخول فيها وتفعيل حسابات أبنائكم، ولكن كيف نقوم بذلك؟
لا أحد يعلم إلا القلة فلا يوجد شيء أو حديث موجه لأولياء الأمر، وماذا ينبغي أن يقوموا به -والتعايش مع الصدمة-؛ الأمر لم يقف عند هذا الحد، فما هي نوعية الأجهزة؟ وكم أسعارها؟ وماذا فعل التجار بالأسعار؟
دخل الجميع بين أمرين كلاهما مُرٌ، البعض ذهب إلى البنوك ليضاعف ديونه ولكنه من أجل التعليم، والبعض ذهب يطرق باب المؤسسات والهيئات الخيرية لعله يجد شيئا لديهم، في حين تخلت المؤسسات والشركات التي كانت تعيش من جيب هذا المواطن أن تتبرع بجهاز واحد متعللة بالأزمة المالية.
ما زلنا مستمرون فالأمر لم ينتهي هنا بل الأزمة استمرت فبعد شراء الجهاز كيف نوفر شبكة الانترنت؟
الشبكة ضعيفة جداً وعليك بالانتظار أو الصعود إلى القمم العالية من أجل أن تحصل على الانترنت مثل ما فعل ذلك الشاب في أحد الجبال العمانية، أما البعض دخل في الدفع اليومي للانترنت؛ لأن الشركات لم تتمكن من توفير خدمة الانترنت اللاسلكي لضغط الطلبات وعدم قدرتها على توفير كل الطلبات. في حين أن بعض المناطق لا تتوفر فيها تلك الخدمة التي تمكن الطلبة من الدخول إلى منصات التعليم عن بعد.
أما كان يفترض تقديم باقات مجانية للمعلمين والطلبة نتيجة عدم توفر الانترنت في العديد من المدارس، وعدم قدرة أولياء الأمور من دفع قيمة الاشتراك! الأمر الذي كان يعالج العديد من التحديات لو قامت هذه الشركات بدورها الوطني في دعم قطاع التعليم.
ومازال العديد من الأسر لهذا اليوم لم تتمكن من توفير الأجهزة لأبنائها مما يحرمهم من التعليم.
اين مؤسسات العمل الخيري وقطاع الشركات الخاصة.
والبعض من امتلك الأجهزة لم يتمكن من الدخول إلى تلك المنصات العجيبة فذهب إلى محلات بيع الأجهزة الحاسوبية، وكان عليه الدفع مقابل خدمة يفترض أن يقوم بها أي شخص عادي غير متخصص ولكن لغياب التوعية المجتمعية حدث ذلك.
ثانياً: هذا واقع الأسرة ولكن ماذا حدث هناك في منصة المنظرة: من أول يوم كان لدى المعلمين والطلبة الرغبة الحقيقية في الدخول إلى مرحلة جديدة من التعلم، وكان بعض الطلبة قد توفرت لهم الظروف الملائمة من أجل التعلم، ولكنهم ظلوا صامدين أمام شاشات الأجهزة لعل وعسى يطل عليهم ذلك المعلم، ولكن مرت الساعات دون جدوى وانتهاء اليوم الأول ونحن نشاهد خيبة الأمل في عدم حصولهم على التعليم، استمر الأمر لثلاثة أسابيع دون جدوى ولم يتعلم أبناءنا من خلال المنصة. أما الجزء الأخر منهم فدخل في إشكاليات التواصل بين المدرسة والبيت من أجل تفعيل ذلك الحساب الذي دائما ما يكتب له الرقم السري غير صحيح…!
أما كان يفترض إيجاد منصة بديله عن تلك التي لم تتمكن من تفعليها.. وكأنها طبقت دون أن يتم تجربتها قبل بدء العام الدراسي!
وكيف يتم التوجيه عبر الواتس اب.. أين التوجيه الرسمي..؟
ففد جاء الواتس اب بخبر جديد وهو تفعيل حسابات الطلبة في منصة (مايكروسوفت تيمز)، دون أي قرار رسمي، وفجأة تظهر تلك الحسابات والأرقام السرية في شريط منصة المنظرة، واتجه أولياء الأمور والمعلمين للبحث عن تلك المنصة في أسواق الانترنت وتم الدخول وترقب الطلبة من جديد المعلم ولكنه هو ذاته لم يتمكن من الدخول والوصول إلى طلابه.
كل يوم يمر على طلبة عمان دون الحصول على التعليم هو خسارة مادية أولاً، وخسارة بشرية دون استغلال الجيد لكافة الإمكانيات المتاحة، فهو خلق الفوضى التي لم يدرك الكثيرون ما معنى ما يحدث في هذه المنصة، ولا ترغب المؤسسة في الحديث عن ذلك أو تفسير السبب الرئيسي في عدم حصول الطلبة على التعليم من الرغم من مضي أكثر من ثلاثة أسابيع دون أن يحصل الطلبة على التعليم، وهذا الأمر لابد من الإسراع على معالجته والوقوف على حيثياته فهذا الأمر يمس مستقبل عمان، كيف لا وجلالة السلطان هيثم بن طارق أكد في خطابة السامي على الدور الوطني الفاعل في الاستفادة من الإمكانيات الوطنية وتسخيرها من أجل النهوض بهذا الوطن وتوفير كل متطلبات الحياة الكريمة للمواطن العماني في كافة القطاعات الخدمية الصحية والتعليمية، وعلى ذلك فإننا كمواطنين نؤمن بحرية التعبير التي منحت لنا فإن المطالبة بتعليم أبنائنا هو مطلب وطني ولا يضير عن القيام بواجباتنا الوطنية، لذا فإننا ماضون في خدمة هذا الوطن وصيانة مكتسباته الوطنية والعمل على المشاركة في خدمته.
حميد بن مسلم السعيدي