تُعدُ سلطنة عُمان من الدول الهامة الواقعة في منتصف دول الحزام الشمسي وبالتالي فهي مؤهلة لتوليد الطاقة الكهربائية من خلال الطاقة الشمسية حيث تمتلك من المقومات التي تمكنها من أن تصبح من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للطاقة الكهربائية حيث مازالت الطاقة الشمسية لم تلب طموحات الشعب العُماني حتى الآن.
وتعكف حاليًا عُمان على تعزيز إنتاجها للكهرباء من خلال مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 11% بحلول عام 2023، على أن يتم رفع هذه النسبة إلى 20% بحلول 2030، وأن ترتفع مابين (35-39%) بحلول عام 2040، والمجال مفتوح للسلطنة للعمل على تطوير موارد الطاقة الشمسية حيث تم تحديد 25 موقعًا تتمتع بمعدل سطوع وقيم إشعاع شمسي كبير.
وانطلاقًا من الدور الهام والمحوري الذي تلعبه الطاقة الشمسية في مختلف المجالات، نجد أن المجال الاقتصادي قد تطور بما يكفي لوضع لون خاص به يميزه عن غيره من فروع علم الاقتصاد يُطلق عليه «الاقتصاد الأصفر».
و«الاقتصاد الأصفر» هو الذي يهتم بدراسة الطاقة الشمسية التي تمثل المصدر الرئيس المأمون لمعظم مصادر الطاقة التي يمكن أن تصل إلى المناطق النائية التي لا يمكن لأي مصدر آخر أن يصل إليها، هذا بالإضافة إلى كيفية الاستفادة منها لتحقيق «التنمية المستدامة».
إن اهتمام سلطنة عُمان بـ «الاقتصاد الأصفر» يوفر لها أموالًا باعتبار أنها تتحمل تكاليف الإنشاء والتشغيل فقط، وبعد ذلك ستكون الصيانة وتغيير المعدات بعد فترات طويلة من التركيب، ويرجع ذلك إلى طبيعة العمر الافتراضي للمواد المستخدمة لتوليد الطاقة الشمسية حيث تكون طويلة الأمد.
إن الوفر الناتج عن استخدام «الاقتصاد الأصفر» يمكن توجيهه لدعم الاقتصاد سنويًا واستخدامه في مجالات أخرى غير مجال الطاقة وإقامة مشروعات تنعكس إيجابيًا على الاقتصاد، هذا بالإضافة إلى أن الطاقة الكهربائية المتولدة من الطاقة الشمسية من المتوقع أن تُغطي استهلاك عُمان بالكامل مع وجود فائض يمكن تصديره إلى الخارج، مع ارتفاع صادرات الغاز الطبيعي بدلاً من استخدامه في توليد الكهرباء مما يؤدي إلى توفير النقد الأجنبي ودعم الاقتصاد الوطني.
إن «الاقتصاد الأصفر» المعتمد على الطاقة الشمسية يقوم بدور أساسي في ضمان إمداد نظام التنمية الحالي بمصدر موثوق ومستدام للطاقة من خلال الاعتماد على قاعدة اقتصادية متنوعة تتيح إطالة أمد الاستثمارات خاصةً في مجال الطاقة غير المتجددة كالنفط والغاز الطبيعي وزيادة مساهمات القطاعات المتجددة في الناتج المحلي الإجمالي، والحفاظ على مكانة الدول في أسواق الطاقة العالمية وتعزيز نمو الاقتصاد الوطني.
وهنا يثار سؤال هام كيف تمول سلطنة عُمان مشاريع الاقتصاد الأصفر وتحققق رؤية 2040 ؟
يتم ذلك عن طريق التمويل بـ «السندات الصفراء» وهي من أدوات الدين، وأداة ممتازة يؤخذ بها لتمويل «الاقتصاد الأصفر»، ولا شك أن هذه السندات سوف تمثل أهمية كبيرة؛ لأن عائدها سيكون مخصصًا للاستثمار في مشروعات «الطاقة الشمسية».
إن «السندات الصفراء»، مثل غيرها من السندات، تستثمر فيها مبلغًا من المال مقابل فوائد في صورة كوبونات، وفي نهاية الفترة تسترد أصل المبلغ، ولكن ما يميزها أنها تهدف إلى تمويل مشاريع بعينها تلك التي تدعم البيئة أو المتعلقة بتحسين المناخ.
وبشكل أكثر تحديدًا تستخدم «السندات الصفراء» في تمويل المشاريع التي تهدف إلى استخدام «الطاقة الشمسية» والحد من التلوث، وحماية النظم البيئية، فضلًا عن أنها تمول تطوير الألواح الشمسية ومحطات الطاقة الشمسية الحرارية ومحركات الطاقة الشمسية والتخفيف من آثار تغير المناخ والعمل على استحداث التقنيات الحديثة في مجال الطاقة الشمسية.
ويمكن لـ «عُمان» توفير التمويل اللازم لمشاريعها عن طريق استحداث «السندات الصفراء» التي تمول الاقتصاد الأصفر «الطاقة الشمسية»، وبالتالي فإنه يُعدُ خيارًا قابلاً للتطبيق حيث يوجد في سلطنة عُمان الكثير من الأراضي الشاسعة غير المستغلة والتي يمكن استغلالها لاستقبال كميات كبيرة من الإشعاع الشمسي على مدار العام، والتي تُعدُ من أعلى معدلات السطوع الشمسي على مستوى العالم.
ويؤدي العمل بـ «الاقتصاد الأصفر» على توفير بيئة صحية للمواطن العُماني لأنه يساعد على انخفاض انبعاثات الكربون إذا ما قورنت بالوسائل الأخرى التقليدية من أجل توفير الطاقة، مع توفير فرص عمل للشباب في مختلف المجالات، علاوةً على أن وفورات التكلفة الناجمة عن انخفاض معدلات تلوث الهواء وتحسين مستويات الصحة العامة وتراجع الضرر البيئي تفوق تكاليف التوجه نحو «الاقتصاد الأصفر».
إن «الاقتصاد الأصفر» يضمن حق الأجيال القادمة في مجالات الطاقة غير المتجددة (الفحم، والبترول، والغاز الطبيعي)، وإطالة فترة الاستفادة من هذه الثروات، خاصةً في ظل زيادة الاستهلاك العالمي للكهرباء، والتكاليف المتزايدة الناتجة عن استخدام الوقود لتوليد الكهرباء، بالإضافة إلى تقليل انبعاثات غازات الكربون؛ لذلك كانت هناك حاجة ماسة إلى الاهتمام بتطوير مصادر الطاقة المتجددة والتي من أهم مصادرها «الطاقة الشمسية».
د/ إسلام جمال الدين شوقي