شهدت المنطقة، تطورات ميدانية وسياسية كبيرة، أدخلت المواجهة مع العدو الصهيوني، في مرحلة جديدة، ستؤثر بعمق، على مسارات الصراع، ونتائجها المتوقعة، أبرزها.
** فوز دونالد ترامب، بانتخابات الرئاسة الأمريكية، مع ما يحمله الرجل، من شخصية جدلية، ومواقف إشكالية، تخرج عن سياق السياسات الأمريكية التقليدية.
** خروج الأزمة السياسية، في الكيان الصهيوني إلى العلن، وظهور أولى بوادرها، مع قيام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بإقالة وزير حربه يوآف غالانت.
** إظهار فصائل المقاومة، وخاصة اللبنانية والفلسطينية، المزيد من عوامل القوة، والقدرة على السيطرة، على زمام المبادرة، وضرب العدو بشكل موجع ومؤثر.
** تأكيد طهران، بأنها سترد على العدوان الإسرائيلي الأخير، مما سيدخل الصراع بشكل جدي، في مرحلة الرد والرد المتبادل، وهو ما كانت تحاول الولايات المتحدة الأمريكية، والقوى الإقليمية والدولية، المنخرطة معها تجنبه.
واضح أن ما يجري ليست مجرد تطورات عادية وإنما هي مؤشرات على تغيرات في العمق ستؤثر على مسار الصراع واحتمالاته المتوقعة.
فالأزمة السياسية الداخلية في الكيان الصهيوني التي بدأت مع إقالة غالانت ليست مجرد أزمة سياسية عادية كالتي كنا نراها سابقاً وكانت تنهي في أقصى حدودها بإجراء انتخابات عامة جديدة وإنما هي تعبير عن عمق الأزمة الوجودية التي دخل بها الكيان الصهيوني منذ عملية طوفان الأقصى والفشل في تحقيق أي من أهداف العدوان على قطاع غزة ثم لبنان والتي انعكست انقسامات حادة في صفوف القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية حول مسار الحرب، حيث غالانت، ومعظم جنرالات القيادة العسكرية والجيش، يرون ان إسرائيل، تخسر الحرب، ولا يمكن الانتصار فيها، ومن الأفضل، التوصل إلى اتفاقات توقفها، بأقل الخسائر، فيما نتنياهو واليمين العنصري المتطرف، يرفضون ذلك، لأسباب شخصية وايديولوجية، لأنها تعني نهايتهم السياسية، وذهاب بعضهم إلى السجون، ومنهم نتنياهو، وبقي لديهم امل وحيد، يعملون عليه، وهو جر الولايات المتحدة الأمريكية، للدخول المباشر في المواجهة، مع محور المقاومة، وهو ما يأمله نتنياهو، مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لكن المشكلة، والتي لا يستطيع حتى ترامب تجاوزها، وهي ان معظم جنرالات البنتاغون الأمريكي، يرفضون ذلك، بسبب عدم ضمانهم الانتصار فيها، وخطورتها على الولايات المتحدة الأمريكية، في صراعها الرئيسي، مع الصين.
وفي الميدان حيث دخلت المواجهة، مع العدو الصهيوني، مرحلة جديدة، باتت أطراف المقاومة تظهر فيها المزيد من عوامل قوتها وإمساكها بزمام الميدان ووسعت من دائرة استهدافاتها، للمواقع الإسرائيلية، كما ونوعا وظهر ذلك في العديد من التطورات:
** لأول مرة تصل صواريخ المقاومة إلى قرب مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي والصاروخ يمني في قراءة يمكن اعتبارها بمثابة إنذار أكثر مما هو تقصد لضرب المفاعل.
** ضرب مطار بنغوريون، وأخرجته عن الخدمة، لفترة من الوقت، مع معلومات تقول، بأنها المقاومة اللبنانية اوصلت رسالة لحكومة نتنياهو، تقول “مطار بنغوريون، مقابل حرية الملاحة عبر مطار بيروت الدولي، ووقف استهداف المناطق الحدودية مع سورية”.
** زيادة استهداف تل أبيب ومحيطها، تحقيقا لمعادلة تل أبيب مقابل الضاحية، مع تحذير بمعادلة اخرى، بوضع القدس الغربية (لأول مرة) مقابل بيروت الكبرى (خارج الضاحية).
** توسيع استهداف المنشآت الحيوية الاستراتيجية، وخاصة التصنيع العسكري، والمراكز القيادية والتدريبية للجيش الإسرائيلي، وجرى حديث، عن استهداف منشآت حساسة في حيفا، لأول مرة.
** توسيع استهداف المستوطنات الإسرائيلية، وتحديدا التي انذرت المقاومة سكانها بمغادرتها، ما يشكل المزيد من الضغوط على حكومة نتنياهو، التي وضعت هدف إعادة المستوطنين، في المنطقة الحدودية مع لبنان، الى بيوتهم، هدفا أساسياً لعدوانها، لترى نفسها، امام مستوطنات جديد فارغة.
** زيادة عدد المسيرات، والصليات الصاروخية، كما ونوعاً لتبلغ في كل يوم رقما جديداً وإدخال أسلحة نوعية جديدة، أكثر قوة اهمها فاتح ١١٠، و نور ١، وقد أظهرت مشاهد الحرائق التي عرضت من المواقع المستوطنات المستهدفة، قوة هذه الضربات وتأثيرها، رغم الحظر، الذي تفرضه حكومة الاحتلال.
يترافق ذلك، مع زيادة عمليات المقاومة الفلسطينية، في غزة، التي أصبحت، توقع خسائر بقوات الاحتلال، وخاصة البشرية، أكثر من بداية القتال.
كما يترافق، مع انتظار الرد الإيراني، على العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، والذي سيزيد من تعقيدات الصراع، والمشاكل للعدو الصهيوني، أياً كان حجم الضربة.
الشيء المهم والملفت، أن هذه التعقيدات، التي يشهدها الميدانان السياسي والعسكري، في المنطقة عموماً، وداخل الكيان الصهيوني خصوصاً، لن يقف عند هذا الحد، وهي مرشحة للتصعيد في اتجاهين:
الأول، هو أن فصائل المقاومة وخاصة اللبنانية، والفلسطينية، تزيد من عملياتها وتؤكد نجاحها، في إيقاع خسائر أكبر، في صفوف ضباط وعناصر الجيش الإسرائيلي، وفي المستوطنات، والمنشآت الحيوية الاستراتيجية، وهو ما سيعمق من حدة الانقسام، في الطبقة السياسية والعسكرية الحاكمة، وفي المجتمع الإسرائيلي، الذي يزداد هشاشة وضعفاً وانقساماً.
الثاني: أن الأزمة، التي تعصف بالقيادة الإسرائيلية، يبدو أنها لم تنته مع إقالة غالانت، وإنما تجمع المعلومات الواردة من فلسطين المحتلة، بأن نتنياهو، سيقوم بإقالة رئيسي الأركان، وجهاز الشاباك، والمراقب القضائي للحكومة، لتحقيق المزيد من السيطرة على القرار، داخل المؤسستين العسكرية والسياسية، وإرضاء اليمين المتطرف، الذي يرفض مع نتنياهو وقف القتال، وهو ما سيفجر أزمة كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي الهش والتوتر.
أما ترامب، الرئيس المنتخب لولاية جديدة، فهو بالتأكيد، لن يكون نسخة طبق الأصل، عن ترامب الرئيس، في ولايته السابقة، لأن الكثير من ملامح الخارطة الجيوسياسية، والتوازنات في المنطقة والعالم، تغيرت وبعمق، وأبرزها، الصراع في منطقة غرب آسيا، التي تعتبر بوصلة صعود وانهيار الامبراطوريات والدول العظمى، والحرب في أوكرانيا، والتي ستحدد مصير أوروبا بالكامل، والقطيعة بين موسكو وواشنطن، ومعظم دول الغرب، حيث الاعجاب المتبادل بين ترامب وبوتين، وإعجاب ترامب بشكل الحكم في روسيا والصين، أكثر من الديمقراطية الأمريكية، إضافة إلى الانسحاب الأمريكي المذل، من أفغانستان.
هذه الصورة للواقع الميداني والسياسي، ومسارته في المنطقة والعالم، تؤكد بأن القتال، إلى مرحلة جديدة من التصعيد، والكلمة الفصل ستكون للميدان، في كل المواقف، والسياسات، وأي تسويات أو ترتيبات متوقعة، وما يمكن تأكيده، هو أن الكيان، يخسر هذه المعركة، وخسارته هذه المرة، لن تكون كغيرها، لأنها ستكون القاضية، والمسالة مسألة وقت لا أكثر، حتى نسمع صراخ العدو، وعندها ستكون هناك حسابات اخرى.. وان غدا لناظره قريب.
أحمد رفعت يوسف