(16)
إنه سعيد الهاشمي، ذلك الرجل الذي عرفته دينامو محرك للشأن الثقافي بالسلطنة، هو ليس بشاعر أو روائي أو قاص وإنما كاتب وباحث في الشأن المحلي، لعب دورا كبيرا في تأسيس الجمعية العمانية للكاتب والأدباء في وقت فشل فيه الكثيرون ممن سبقوه وفي وقت كانت الجمعيات مقتصرة على جمعية المرأة العمانية، لكنه بالعزيمة والإصرار والمثابرة، وبالاقناع والمنطق استطاع أن يولد تلك الجمعية. لذلك لم يكن غريبا عليّ أن أجده يدافع عن نفسه ويدافع عن مبادئه أمام فضيلة القاضي، حيث أن كلامه الصريح والجريء سبب إحراجا لفضيلته فاكتفى بالصمت عندما قال له معلومة مفادها أنه تم الاجتماع بالقضاة في المحكمة العليا وبالمكتب السلطاني وبجهاز الأمن الداخلي. سؤاله المباغت لفضيلته: هل تواجه ضغوطا يا فضيلة القاضي؟ إن كنت تواجه ضغوطا فإنني أطلب منك التنحي، أو تنصفنا في هذه القضية، وإلا فسوف نقف يوم القيامة معا لأشكي بك أمام الله سبحانه وتعالى. واصل سعيد الهاشمي قائلا: إنه اختبار يا فضيلة القاضي على استقلالية القضاء، وهذه أول قضية رأي عام يتم فيها الفصل بعد استقلالية القضاء، عليك أن تثبت أن القضاء مستقل ولن يتعرض لأية ضغوط ولن يخضع لأية جهات مهما كانت. يا فضيلة القاضي الكل يترقب حكمك فاحكم بالعدل. إننا نناشدك أن تحكم بالقانون وليس بالضغوط.... فضيلة القاضي سكت لبرهة، لم ينفى أنه تم الاجتماع به من قبل الجهات الأمنية حسبما ذكر له سعيد الهاشمي.
تكررت الأقوال الأخرى مثل التعري والحبس في زنزانة انفرادية والإضاءة العالية والموسيقى الصاخبة، وأن ذلك كله يتعارض مع مواد النظام الأساسي للدولة. عضو الادعاء العام لم ينكر أن ذلك لم يحصل في السجن، بل ولم يستطع الرد على المحامين الذين تحدثوا بلغة القانون التي لا نفهم نحن كثيرها لكن فضيلته والادعاء العام يفهمونها، ومع ملاحظة أن الادعاء العام بدا وكأنه ضحلا في القانون باستثناء تلك الخطبة العصماء التي كان يقرأوها إلا أنها لم تلقي أثرا لأنها كانت خالية من المضامين المتعمقة في القانون. ورغم هدوء الجلسة نسبيا إلا أن بعض المداخلات كانت تجعل الحضور لا يلتزم الصمت الأمر الذي جعل فضيلة القاضي يصرخ في وجه الحضور بالسكوت وبصوت عال وكأنه بدأ يفقد هدوءه وأعصابه. كما بدا لبعض الحضور أن القاضي كان قد كوّن فكرة مسبقة عن المتهمين وكأنه يرضخ للضغوط الممارسة عليه، لكن المحامين وكذلك دفاع المتهمين أنفسهم كانت جديرة بأن يراجع ذاته ليرى أن الحقيقة أبعد من اتهامات الادعاء العام وأن تهم التجمهر والسب لم يستطع أن يثبتها الادعاء العام. وقد واجه سعيد الهاشمي الادعاء العام قائلا له بأن عليه أن يثبت بأنهم أي الموقوفين كانوا يقصدون السوء بالوطن، وكيف يقصدون سوءا وهم ولمدة ثلاثة أيام لم يعطلوا أية حركة ولم يخلوا بالنظام العام!! بل أن صور "جوجل ايرث" أثبتت وجود سيارتين فقط في اليوم الثالث، ورغم وجود ميكرفون واحد فقط وبالتالي ضعف الصوت في الصفوف الخلفية بالقاعة إلا أن المشهد كانا قويا عندما يتكلم بعض المتهمين وأولهم سعيد الهاشمي وثانيهم باسمة الراجحية وثالثهم محمد الفزاري، فقد انطلقت لسانهم رغم الاعياء الواضح على أجسادهم لتجعل فضيلة القاضي وحتى الادعاء العام ينصتون وبدون تعليق وبدون مقاطعة..
يتبـــــــــــع
تعليق